الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويشترط في ) قسمة ( الرد الرضا ) باللفظ ( بعد خروج القرعة ) لأنها بيع وهو لا يحصل بالقرعة فافتقر إلى التراضي بعده ( ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه ) كقسمة تعديل وإفراز ( اشترط ) فيما إذا كان هناك قرعة ( الرضا بعد القرعة في الأصح كقولهما رضينا بهذه القسمة ) أو بهذا ( أو بما أخرجته القرعة ) أما في قسمة التعديل فلأنها بيع كقسمة الرد . وأما في غيرها فقياسا عليها لأن الرضا أمر خفي فوجب أن يناط بأمر ظاهر يدل عليه ، ولا يشترط لفظ نحو بيع ، وإن لم يحكما القرعة كأن اتفقا على أن يأخذ أحدهما أحد الجانبين والآخر الآخر ، أو أحدهما الخسيس والآخر النفيس ويرد زائد القيمة فلا حاجة لتراض آخر . أما قسمة ما قسم إجبارا فلا يعتبر الرضا فيها لا قبل القرعة ولا بعدها ، واعترضت عبارته بأن فيها خللا من أوجه إذ ما لا إجبار فيه قسمة الرد فقط وقد جزم باشتراط الرضا فلزم التكرار والجزم أولا وحكاية الخلاف ثانيا وأنه عبر بالأصح وفي الروضة بالصحيح وأنه عكس ما بأصله فإنه لم يذكر فيه هذا الخلاف إلا في قسمة الإجبار ، فكأنه في الكتاب أراد أن يكتب ما فيه إجبار فكتب ما لا إجبار فيه .

                                                                                                                            ولعل عبارته ما لا إجبار فيه فحرفت ، وبهذا يزول التكرار والتناقض والتعاكس وأنه أطلق الخلاف . وأجيب بأن مراده بما لا إجبار فيه كما دل عليه السياق أنه لا إجبار فيه الآن باعتبار جريانه بالرضا وإن كان أصله الإجبار ، وعبارة المحرر القسمة التي يجبر عليها إذا جرت بالتراضي ، والمراد بها ما ذكرناه أيضا ، وقد أشار الشارح إلى ذلك غير أن دعواه أصرحية عبارة الكتاب على الأصل محل نظر لا يخفى ( ولو ثبت ) بإقرار أو علم قاض أو يمين رد أو [ ص: 291 ] ( ببينة ) ذكرين عدلين دون غيرهما فيما يظهر ( غلط ) وإن لم يكن فاحشا ( أو حيف ) وإن قل ( في قسمة إجبار ) ( نقضت ) كما لو ثبت ظلم قاض أو كذب شاهد ، ولا يحلف قاسم كقاض ، واستشكال ابن الرفعة بأنه نقض للشيء بمثله ولا مرجح رد بأن الأصل المحقق الشيوع فيرجح به قول مثبت النقض ، وخرج بقوله إجبار ما إذا كانت تعديلا أو ردا فلا نقض فيها لأنها بيع ولا أثر للغلط والحيف فيه كما لا أثر للغبن فيه لرضا صاحب الحق بتركه ( فإن لم تكن بينة وادعاه ) أي أحدهما ( واحد ) من الشريكين أو الشركاء على شريكه وبين قدر ما ادعاه ( فله تحليف شريكه ) أنه لا غلط ولا زائد معه أو أنه لا يستحق عليه ما ادعاه ولا شيئا منه .

                                                                                                                            فإن حلف مضت وإلا حلف المدعي ونقضت كما لو أقر ، ولا تسمع الدعوى على القاسم من جهة الحاكم لأنه لو أقر لم ينقض ، نعم بحث الزركشي سماعها عليه رجاء أن يثبت حيفه فيرد الأجرة ويغرم كما لو قال قاض غلطت في الحكم أو تعمدت الحيف ( ولو ادعاه في قسمة تراض ) في غير ربوي بأن نصبا لهما قاسما أو اقتسما بأنفسهما ورضيا بعد القسمة ( وقلنا هي بيع ) بأن كان تعديلا أو ردا ( فالأصح أنه لا أثر للغلط فلا فائدة لهذه الدعوى ) وإن تحقق الغبن لرضا صاحب الحق بتركه فصار كما لو اشترى شيئا وغبن فيه ، والثاني أنها تنقض لأنهما تراضيا لاعتقادهما أنها قسمة عدل ، أما ربوي تحقق الغلط في وزنه أو كيله فالقسمة باطلة بلا شبهة للربا ( قلت : وإن قلنا إفراز ) بأن كانت بالأجزاء ( نقضت إن ثبت ) بحجة لأن الإفراز لا يتحقق مع التفاوت ( وإلا ) أي وإن لم يثبت ( فيحلف شريكه ، والله أعلم ) نظير ما مر في قسمة الإجبار ( ولو استحق بعض المقسوم شائعا ) كالثلث ( بطلت فيه وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة ) والأظهر فيه أنه يصح ويتخير كل منهم ( أو ) استحق ( من النصيبين ) شيء ( معين ) .

                                                                                                                            فإن كان بينهما ( سواء بقيت ) القسمة في الباقي لعدم التراجع بين الشريكين ( وإلا ) أي وإن لم يكن سواء بأن اختص بأحد النصيبين أو عمهما لكنه في أحدهما أكثر ( بطلت ) لأن ما يبقى لكل ليس قدر حقه بل يحتاج أحدهما إلى الرجوع على الآخر وتعود الإشاعة ، ولو بان فساد القسمة وقد أنفق أو زرع أو بنى مثلا أحدهما أو كلاهما جرى هنا ما مر فيما إذا بان فساد البيع وقد فعل ذلك ، لكن الأقرب عدم لزوم كل شريك هنا زائد على ما يخص حصته من أرش نحو القطع . واعلم أنه قد علم مما قررناه سابقا أن القرعة شرط لصحة القسمة وليس مرادا كما يفهمه قوله السابق فيجبر الممتنع فتعدل السهام إلخ فلم يجعل التعديل إلا عند الإجبار . ومفهومه أن الشريكين لو تراضيا بقسمة المشترك جاز ولو بلا قرعة كما في الشامل والبيان وغيرهما ، فلو قسم بعضهم في غيبة الباقين وأخذ قسطه فلما علموا قرروه صحت : لكن من حين التقرير ، قاله ابن كبن ، فلو طلب من الحاكم شركاء قسمة ما بأيديهم لم يجبهم حتى يثبتوا [ ص: 292 ] ملكهم وإن لم يكن لهم منازع ، لأن تصرف الحاكم في قضية طلب منه فصلها حكم وهو لا يكون بقول ذي الحق وسمعت البينة هنا وهي غير شاهد ويمين كما جزم به ابن المقري في روضه مع عدم سبق دعوى للحاجة ، ولأن القصد منعهم من الاحتجاج بعد تصرف الحاكم ، وتخريج البلقيني من هذا أن القاضي لا يحكم بالموجب بمجرد اعتراف المتعاقدين بالبيع ولا بمجرد إقامة البينة عليهما لما صدر منهما لأن المعنى الذي قيل هنا يأتي هناك مردود ، لأن معنى الحكم بالموجب أنه إذا ثبت الملك صح فكأنه حكم بصحة الصيغة ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ما إذا كانت تعديلا ) أي ووقعت بالتراضي ( قوله : أي أحدهما ) غلظ أو حيف ( قوله : وقد فعل ذلك ) أي فيكلف القلع مجانا ولا يرجع بما أنفقه ( قوله : من أرش ) متعلق بزائد ( قوله : لكن من حين التقرير ) أي فلو وقع منه تصرف فيما خصه قبل التقرير كان باطلا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وأنه أطلق الخلاف ) هنا سقط من النسخ ، وعبارة التحفة وأنه أطلق الخلاف ومحله حيث حكموا قاسما ، فإن تولاها حاكم أو منصوبه جبرا لم يعتبر الرضا قطعا ، ولو نصبوا وكيلا عنهم اشترط رضاهم بعد القرعة قطعا ، وكذا لو اقتسموا بأنفسهم انتهت . ولم يذكر هو ولا الشارح الجواب عن هذا ( قوله : وعبارة المحرر القسمة التي لا يجبر عليها ) كذا في نسخ الشارح بإثبات لا قبل يجبر ، والصواب حذفها ( قوله : غير أن دعواه أصرحية عبارة الأصل ) صوابه أصرحية عبارة الكتاب على عبارة الأصل إذ هو الذي قاله الجلال بحسب ما يظهر من عبارته ونصها : ويجاب بأن المراد ما انتفى فيه الإجبار مما هو محله ، وهو أصرح في المراد مما في المحرر ا هـ . والظاهر أن هذا الذي فهمه الشارح من كلام الجلال المبني على أن مرجع الضمير فيه كلام المصنف ليس مراده إذ لا يسعه ذلك ، وإنما مراده أن ما ذكره في بيان مراد المصنف أصرح مما في المحرر ، وإن كان ما في المحرر أصرح مما في كلام المصنف فمرجع الضمير ما ذكره هو لا ما ذكره المصنف فتأمل . واعلم أن الشارح لم يذكر الجواب عن كون [ ص: 291 ] المصنف عبر هنا بالأصح وفي الروضة بالصحيح ، وأجاب عنه في التحفة بأن ذلك كثيرا ما يقع للمصنف ولا اعتراض عليه به لأن منشأه الاجتهاد وهو يتغير ( قوله وخرج بقوله إجبار ما إذا كانت تعديلا إلخ ) لا حاجة إليه لأنه سيأتي في المتن على أن إطلاقه غير صحيح كما يعلم من المتن الآتي فتأمل ( قوله : رجاء أن يثبت حيفه ) لعل المراد ثبوته بإقراره لأنه هو الذي يترتب عليه الغرم ، إذ لو ثبت بالبينة نقضت القسمة فلا غرم ، ويدل على هذا تنظيره بمسألة القاضي ( قوله : واعلم أنه قد علم مما قررناه سابقا أن القرعة إلخ ) عبارة التحفة : قد يتوهم من المتن [ ص: 292 ] أن القرعة شرط لصحة القسمة وليس مرادا ( قوله : وهي غير شاهد ويمين ) عبارة ابن المقري : ويقبل شاهد وامرأتان لا شاهد ويمين ، لأن اليمين شرعت لترد عند النكول ولا مرد لها انتهت .




                                                                                                                            الخدمات العلمية