الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان للمأذون دار من تجارته فوجد فيها قتيل ، وعليه دين أو لا دين عليه فالدية على عاقلة المولى في قول أبي يوسف ومحمد ; لأنه مالك لهذه الدار ، وإن كان على عبده دين ، ودية المقتول الموجود في الملك على عاقلة صاحب الملك باعتبار أنه بمنزلة القاتل له بيده ، وعند أبي حنيفة رحمه الله إن لم يكن على العبد دين محيط فكذلك ، وإن كان على العبد دين محيط ففي القياس لا شيء على عاقلة المولى ; لأنه غير مالك للدار عنده ، ولكن يخاطب بدفع العبد أو الفداء ; لأن حق العبد في كسبه في حكم الجناية كملك المالك في ملكه فبهذا الطريق يجعل كأن العبد قتله بيده ، ولكنه استحسن ، وجعل الدية على عاقلة المولى ; لأن العبد ليس من أهل الملك ، والمولى أحق الناس بملك هذه الدار على معنى أنه يملكها إذا سقط الدين ويملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فيكون بمنزلة القاتل بيده باعتبار إقامة سبب الملك التام له فيها مقام الملك ونظيره التركة المستغرقة بالدين إذا وجد في دار منها قتيل كانت الدية على عاقلة الوارث .

وهذا لأن المانع من الملك بعد تمام السبب حق الغرماء ، وفي حكم الجناية الغرماء كالأجانب ويجعل في القتيل الموجود فيها كأن المولى مالك لها لما تعذر اعتبار جانب الغرماء في ذلك ، وعلى هذا لو شهد على المأذون في حائط من هذه الدار .

[ ص: 19 ] مائل فلم ينقضه حتى وقع على إنسان فقتله فالدية على عاقلة المولى ، وقالا : هذا بمنزلة القتيل يوجد في هذه الدار ولم يذكر فيه قول أبي حنيفة ، وقيل : هو كذلك على جواب الاستحسان عند أبي حنيفة ; لما قلنا .

وهو بخلاف ما إذا وقع على دابة فقتلها فإن قيمتها في عنق العبد يباع فيها أو يفديه ; لأن حق صاحب الدين يتعلق بالمالية ، والمولى من ماليته أجنبي لحق غرمائه فلهذا كان ذلك في عنق العبد بمنزلة جنايته على المال بيده ، وأما حق أولياء الجناية فلا يثبت في المالية التي هي حق الغرماء ، ولهذا كان موجب جنايته بيده على مولاه يخاطب بالدفع أو الفداء ففي جناية يترك هدم الحائط المائل أو يترك صيانة داره حتى وجد فيها قتيل يستحق موجبه على المولى أيضا ، وإذا كان موجب الجناية على المولى صار المولى فيه كالمالك للدار ، وكان الإشهاد وجد عليه بطريق أن جناية مملوكه كجنايته فتكون الدية على عاقلة المولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية