الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          880 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وبيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفي الحرم - وهو قول أبي حنيفة ، وأبي سليمان ، وأصحابهما : لأن البيض ليس صيدا ، ولا يسمى صيدا ، ولا يقتل ، وإنما حرم الله تعالى على المحرم قتل صيد البر فقط ; فإن وجد فيها فرخ ميت فلا جزاء له ، لأنه ليس صيدا ولم يقتله ; فإن وجد فيها فرخ حي فمات فجزاؤه بجنين من مثله ; لأنه صيد قتله .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : في بيضة النعامة : عشر البدنة ، وفي بيضة الحمامة ، عشر الشاة ، قال : لا يحل أكله للمحرم ، ولا للحلال إذا شواه المحرم أو كسره .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : فيه قيمته فقط .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قول الشافعي فخطأ لما ذكرنا من أنه ليس صيدا ; وأخطأ خطأ آخر أيضا وهو أنه جزاؤه بثمنه والجزاء بالثمن لا يوجد في قرآن ولا سنة .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك فجمع فيه من الخطأ وجوها - : أولها :

                                                                                                                                                                                          أنه قول لا يعرف أن أحدا قال به قبله - وهم ينكرون مثل هذا أشد الإنكار كما ذكرنا آنفا في قولنا في الجراد . وثانيها :

                                                                                                                                                                                          أنه قول لا يوجد في القرآن ، ولا في السنة . وثالثها :

                                                                                                                                                                                          أنهم لا يجيزون الاشتراك في الهدي حيث صح إجماع الصحابة والسنة على جوازه ، ثم أجازوه هاهنا حيث لم يقل به أحد يعرف قبلهم ؟ فإن قالوا : إنما تقوم البدنة ، أو الشاة ، ثم نأخذ عشر تلك القيمة فنطعم به ؟ قلنا : هذا خطأ رابع فاحش لأنكم تلزمونه وتأمرونه بما تنهونه عنه من وقتكم فتوجبون عليه عشر بدنة ، وعشر شاة ولا يجوز له إهداؤه ، إنما يلزمه طعام بقيمة ذلك العشر ، وهذا تخليط ناهيك به ، وتناقض ظاهر . وخامسها :

                                                                                                                                                                                          احتجاجهم بأنهم قالوا ذلك قياسا على جنين الحرة الذي فيه عشر دية أمه ؟ [ ص: 260 ] فقلنا : هذا قياس للخطأ على الخطأ وتشبيه للباطل بالباطل المشبه بالباطل وما جعل الله تعالى قط في جنين الحرة ولا في جنين الأمة : عشر دية أمه ، ولا عشر قيمة أمه ; وإنما جعل الله تعالى { في الجنين على لسان رسوله عليه السلام : غرة عبدا ، أو أمة فقط } ، ولا جعل في الدية قيمة ; بل جعلها مائة من الإبل .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وأما اختلاف الناس في هذا فإننا - : روينا من طريق حماد بن سلمة أنا عمار بن أبي عمار عن عبد الله بن الحارث بن نوفل { أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيضا وتتمير وحش ؟ فقال له : أطعمه أهلك فإنا حرم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله حرفا حرفا .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : الأول مرسل ، وفي الثاني علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ، ثم لو صحا لما كان فيهما نهي عن أكلها وإنما هو ترك منه عليه السلام وقد يترك ما ليس حراما كما ترك الضب .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث . وأبو خالد الأحمر كلاهما عن ابن جريج عن عبد الله بن ذكوان هو أبو الزناد - عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بيض نعام أصابها محرم ؟ فقال عليه السلام : في كل بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أبو الزناد لم يدرك عائشة رضي الله عنها فهو منقطع ، ولو صح لقلنا به ، وقال بهذا بعض السلف .

                                                                                                                                                                                          كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي المليح عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال في بيضة النعامة يصيبها المحرم : صوم يوم ، أو إطعام مسكين .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبدة عن سعيد عن قتادة عن أبي مجلز عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في بيض النعام يصيبها المحرم قال أبو عبيدة : كان ابن مسعود يقول فيه : صوم يوم ، أو إطعام مسكين . [ ص: 261 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا موسى الأشعري قال : في كل بيضة من بيض النعام صيام يوم ، أو إطعام مسكين - وهو قول عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أيضا .

                                                                                                                                                                                          وهو قول ابن سيرين أفتى بذلك على محرم أشار لحلال إلى بيض نعام فهذا قول .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير أخبرني عكرمة عن ابن عباس قال : قضى علي بن أبي طالب في بيض النعامة يصيبها المحرم ترسل الفحل على إبلك فإذ تبين لقاحها سميت عدد ما أصبت من البيض فقلت : هذا هدي ثم ليس عليك ضمان ما فسد . قال ابن عباس : فعجب معاوية من قضاء علي . قال ابن عباس : لم يعجب معاوية من عجب ما هو إلا ما يباع به البيض في السوق يتصدق به .

                                                                                                                                                                                          قال ابن جريج : وقال عطاء : من كانت له إبل فإن فيه ما قال علي ومن لم يكن له إبل ففي كل بيضة درهمان - فهذا قول آخر ; وثالث ورابع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا الأعمش عن إبراهيم النخعي : أن عمر بن الخطاب قال في بيض النعام : قيمته . أو ثمنه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال في بيض النعام : قيمته ، أو ثمنه .

                                                                                                                                                                                          وهو قول إبراهيم النخعي ، والشعبي ، والزهري ، والشافعي . وأما بيض الحمام - : فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه وعطاء كلاهما قال : إن علي بن أبي طالب قال : في كل بيضتين درهم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس قال : في كل بيضة من بيض حمام مكة درهم - وهو قول عطاء ; وقال : فإن كان فيها فرخ فدرهم .

                                                                                                                                                                                          وقال عبيد بن عمير : بنصف درهم طعام ويتصدق به . [ ص: 262 ]

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الرزاق عن معمر ، وعن قتادة قال في بيض حمام مكة : درهم وفي بيضة من بيض حمام الحل : مد .

                                                                                                                                                                                          قال معمر : وقال الزهري : فيه ثمنه - وهو قول الشافعي .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير عن خصيف عن ابن عباس قال في البيضة : درهم فهي أقوال كما ترى - : أحدها : أن في بيضة النعامة صوم يوم ، أو إطعام مسكين فيه خبر مسند ; وهو قول أبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وابنيه أبي عبيدة ، وعبد الرحمن ، وابن سيرين . وثانيها :

                                                                                                                                                                                          أن في كل بيضة منها لقاح ناقة - وهو قول علي ، ومعاوية ، وعطاء . وثالثها :

                                                                                                                                                                                          أن في بيضة النعامة ثمنها - هو قول عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وإبراهيم ، والشعبي ، والزهري ، والشافعي . ورابعها :

                                                                                                                                                                                          أن من له إبل ففي كل بيضة لقاح ناقة ومن لا إبل له ففي كل بيضة درهمان - وهو قول عطاء .

                                                                                                                                                                                          وفي بيض الحمام أقوال - : أحدها :

                                                                                                                                                                                          في البيضة درهم - وهو قول ابن عباس . وثانيها :

                                                                                                                                                                                          في البيضة نصف درهم - وهو قول ابن عباس ، وعبيد بن عمير ، وثالثها : فيها نصف درهم ، فإن كان فيها فرخ فدرهم - وهو قول عطاء ، ورابعها : في بيضة من حمام مكة درهم ، وفي بيضة من حمام الحل مد - وهو قول قتادة . وخامسها :

                                                                                                                                                                                          فيها ثمنها - وهو قول الزهري ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          فخرج قولا : مالك ، وأبي حنيفة عن أن يعرف لهما قائل من السلف . وهم يعظمون هذا إذا خالف تقليدهم وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية