الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان ، ومعه عبد له فأذن له في التجارة جازت شهادة المستأمنين عليه بالدين كما تجوز على مولاه ; لأنه حربي مستأمن .

( ألا ترى ) أن لمولاه أن يعيده إلى دار الحرب ، ولو كان الغرماء ثلاثة [ ص: 43 ] مسلم شهد له حربيان بدين ألف درهم وذمي شهد له ذميان بدين ألف درهم وحربي شهد له مسلمان بدين ألف درهم ثم بيع بألف درهم فإنه يقسم الألف بين الذمي الذي شهد له الذميان والحربي الذي شهد له المسلمان نصفين ; لأن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد وعلى صاحبه ، فأما المسلم فإنما يثبت دينه بما ليس بحجة على الذمي ، وهو شهادة الحربيين فلهذا لا يزاحمهما ، وإذا اقتسما ثمنه نصفين أخذ المسلم من الحربي نصف ما صار له ; لأن دينه ثابت بما هو حجة في حق الحربي ، وإنما كان ممنوعا لحق الذمي ، وقد سقط حق الذمي عن هذا النصف فكان بينهما نصفين ، وقال : عيسى بن أبان رحمه الله هذا خطأ وينبغي أن يكون الألف بينهم أثلاثا ; لأن المسلم الذي شهد له الحربيان والذمي الذي شهد له الذميان استويا من حيث إن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد دون صاحبه فليس جعل المسلم محجوبا عن المزاحمة ; لأجل الذمي بأولى من جعل الذمي محجوبا عن المزاحمة لأجل المسلم ، وقد ثبت دين كل واحد منهما بما هو حجة على الحربي ودين الحربي بما هو حجة عليهما ، فينبغي أن يكون بينهم أثلاثا ، وهذا ذكره الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمهما الله وقيل في تصحيح جواب الكتاب : إنه وإن كان كذلك فشهادة الذمي أقوى من شهادة الحربي ; لأن شهادة أهل الحرب إنما تقبل بعقد الأمان ، والأمان يثبت للحربي بهذا المسلم أو من يقوم مقامه من المسلمين أما عقد الذمة فليس يثبت من جهة الذمي فكانت شهادة أهل الذمة للذمي أقوى وأبعد عن التهمة من شهادة المستأمنين للمسلم فترجح جانبه لهذا .

ولو كانت شهود الذمي حربيين ، وشهود المسلم ذميين ، والمسألة بحالها كان الثمن بين المسلم والحربي نصفين ; لأن الذمي إنما أثبت دينه بما ليس بحجة على المسلم ، والمسلم أثبت دينه بما هو حجة على المسلم فكان الذمي محجوبا به بقي المسلم والحربي ، وقد أثبت كل واحد منهما دينه بما هو حجة على العبد وعلى صاحبه فكان الثمن بينهما نصفين ثم يأخذ الذمي نصف ما أصاب الحربي ; لأن بينته حجة عليه ، وإنما كان محجوبا عن المسلم ، وقد سقط حق المسلم عن هذا النصف ، ولو كان الذي شهد له المسلمان ذميا ، والذي شهد له الذميان حربيا والذي شهد له الحربيان مسلما فإن الثمن بين الحربي والذمي نصفين ; لأن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على صاحبه ودين المسلم ثبت بما ليس بحجة على الذمي فكان هو محجوبا ، وليس في هذا الفصل طعن ، فإن الدين ثبت بما هو حجة على المسلم ; لأن شهود الذمي مسلمون فلهذا كان الثمن بين الحربي والذمي نصفين ثم يأخذ المسلم نصف ما أخذ الحربي لما بينا أنه كان محجوبا بالذمي ، وقد زالت مزاحمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية