الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( 5 أمر الأيمان يبنى على العرف والنية ) .

                          أمر الأيمان مبني على العرف العام بين الناس بالإجماع لا على مدلولات اللغة واصطلاحات الشرع ، فمن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لا يحنث وإن سماه الله لحما طريا إلا إن نواه أو كان يدخل في عموم اللحم في عرف قومه ، ومن حلف على شيء ونوى معنى مجازيا غير الظاهر فالعبرة بنيته لا بلفظه ، وأما من يحلفه غيره يمينا على شيء فالعبرة بنية الحلف لا الحالف ، وإلا لم يكن للأيمان في القاضي فائدة .

                          روى أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " وفي لفظ لمسلم وابن ماجه " اليمين على نية المستحلف " وقد خصه بعضهم بكون المحلف هو الحاكم ، ولفظ " صاحبك " في الحديث يرد هذا التخصيص ، وقال بعضهم : الحاكم أو الغريم ، وقد حكى القاضي عياض الإجماع على أن الحالف من غير استخلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ويقبل قوله وأما إذا كان لغيره حق عليه فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه ، سواء حلف متبرعا أو باستخلاف غيره له ، وظاهر هذا : أنه لا فرق بين الحقوق الشخصية الخاصة والحقوق [ ص: 41 ] العامة المتعلقة بمصلحة الأمة والملة ، وأن المستحلف الظالم الذي لا حق له إذا أكره امرأ على الحلف بأن ينصره ويعينه على ظلمه وورى الحالف ونوى غير الظاهر فله العمل بنيته فاسم الله لا يجعل وسيلة للظلم والإجرام ، ولا مانعا من البر والتقوى والإصلاح .

                          واليمين الغموس والصابرة والتي يهضم بها الحق أو يقصد بها الخيانة والغش لا يكفرها عتق ولا صدقة ولا صيام ، بل لا بد من التوبة وأداء الحقوق والاستقامة ، قال تعالى : ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ) ( 16 : 94 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين صبر وفي رواية زيادة وهو فيها فاجر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " رواه الشيخان وغيرهما قال شراح الحديث : أو مال ذمي ونحوه ، وهذا مجمع عليه بين المسلمين ، وفي الإطلاق حديث أبي هريرة مرفوعا عند أحمد وأبي الشيخ " خمس ليس لهن كفارة : الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ، وبهت مؤمن ، ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق " .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية