الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن المأكول لا يجوز الاستنجاء به فلا فرق بين ما هو مأكول في الحال كالخبز والفواكه وبين ما يؤكل في ثاني حال بعد عمل كاللحم التي في تحريم الاستنجاء بهما ، فأما الحيوان فكان بعض أصحابنا يجريه مجرى اللحم فمنع الاستنجاء به لأنه قد يؤكل بعد ذبحه فصار كاللحم الذي يؤكل بعد طبخه ، وذهب بعض جمهور أصحابنا وهو الصحيح إلى أن الحيوان الحي لا يقال له مأكول في حال الحياة وليس كاللحم النيء ، لأنه مأكول قبل الطبخ وإنما يطبخ ليستطاب ويستمرئ ، ألا ترى أن أكل اللحم النيء حلال وأكل الحيوان حرام . وإذا صح أن الحيوان الحي غير مأكول فإن كان طاهرا ولم يكن فيه من النعومة واللين ما يمنع من الإزالة صح الاستنجاء به ، وإن كان لنعومته ولينه يمنع من الإزالة لم يجز الاستنجاء به ، فلو استنجى بكف آدمي جاز ولو استنجى بكف نفسه لم يجز ، وكان أبو علي بن خيران يجيزه بكف نفسه كما يجوز بكف غيره وهذا خطأ من حيث أن الفرق وقع بينهما في السجود فجاز أن يسجد على كف غيره ولم يجز أن يسجد على كف نفسه وقع بينهما في الاستنجاء فجاز أن يستنجي بكف غيره ولم يجز أن يستنجي بكف نفسه ، وأما الفواكه والثمار فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما يؤكل رطبا ولا يكون يابسا كاليقطين فلا يجوز الاستنجاء به رطبا لأنه مأكول ويجوز الاستنجاء به يابسا إذا كان مزيلا لأنه غير مأكول .

                                                                                                                                            [ ص: 169 ] والضرب الثاني : ما يؤكل رطبا ويابسا فهذا على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون مأكولا ظاهرا وباطنا كالتين والسفرجل والتفاح وإن كان فيهما حب يرمى به فلا يجوز الاستنجاء بشيء منه بحال لا بداخله ولا بخارجه ولا رطبا ولا يابسا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما كان مأكوله ظاهرا وداخله غير مأكول كالخوخ والمشمش وكل ذي نوى من الفواكه فلا يجوز الاستنجاء بخارجه المأكول ويجوز الاستنجاء بنواه إذا أزال لأنه غير مأكول .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : ما كان ذا قشر مأكوله في جوفه فلا يجوز الاستنجاء بلبه المأكول ، فأما قشره فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            حال لا يؤكل لا رطبا ولا يابسا .

                                                                                                                                            وحال يؤكل رطبا ويابسا .

                                                                                                                                            وحال يؤكل رطبا ولا يؤكل يابسا ، فإن كان قشره لا يؤكل بحال لا رطبا ولا يابسا كالرمان جاز الاستنجاء بقشره وهكذا لو استنجى برمانة حبها فيها جاز لأن المباشرة في الاستنجاء كانت بقشرها وهو غير مأكول ، وإن كان قشره قد يؤكل رطبا ويابسا كالبطيخ لم يجز الاستنجاء به رطبا ولا يابسا لأنه مأكول ، وإن كان قشره يؤكل رطبا ولا يؤكل يابسا كاللوز والباقلي لم يجز الاستنجاء بقشره رطبا لأنه مأكول وجاز الاستنجاء به يابسا لأنه غير مأكول ، فأما ما يأكله الآدميون والبهائم فإن كان أكل الآدميين له أكثر لم يجز الاستنجاء به وإن كان أكل البهائم له أكثر جاز الاستنجاء به وإن استويا ففيه وجهان من اختلاف أصحابنا في ثبوت الربا فيه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية