الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          892 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وكل ما صاده المحل في الحل فأدخله الحرم ، أو وهبه لمحرم ، أو اشتراه محرم : فحلال للمحرم ، ولمن في الحرم ملكه ، وذبحه ، وأكله - وكذلك من أحرم وفي يده صيد قد ملكه قبل ذلك ، أو في منزله قريبا ، أو بعيدا ، أو في قفص معه فهو حلال له - كما كان - أكله ، وذبحه وملكه ، وبيعه ، وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد للصيد وتملكه وذبحه حينئذ فقط ، فلو ذبحه لكان ميتة ، ولو انتزعه حلال من يده لكان للذي انتزعه ، ولا يملكه المحرم وإن أحل ، إلا بأن يحدث له تملكا بعد إحلاله .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : أن الله تعالى قال : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } . [ ص: 282 ]

                                                                                                                                                                                          وقال : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } .

                                                                                                                                                                                          فقالت طائفة : هاتان الآيتان على عمومهما ، والشيء المتصيد هو المحرم ملكه وذبحه وأكله كيف كان ؟ فحرموا على المحرم أكل كل شيء من لحم الصيد جملة وإن صاده لنفسه حلال وإن ذبحه الحلال .

                                                                                                                                                                                          وحرموا عليه ذبح شيء منه ، وإن كان قد ملكه قبل إحرامه ، وأوجبوا على من أحرم وفي داره صيد أو في يده ، أو معه في قفص أن يطلقه ، وأسقطوا عنه ملكه ألبتة ، ولم يبيحوا لأحد من سكان مكة والمدينة أكل شيء من لحم الصيد ، أو تملكه ، أو ذبحه .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : قول الله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } إنما أراد الله تعالى الفعل الذي هو التصيد لا الشيء المتصيد - وهو مصدر صاد يصيد صيدا - فإنما حرم عليه صيده لما يتصيد فقط .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : قوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } هو التصيد أيضا نفسه المحرم في الآية الأخرى .

                                                                                                                                                                                          واستدلت هذه الطائفة على ما قالته بقول الله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } قالوا : فالذي أباحه الله تعالى لنا بالإحلال هو بلا شك المحرم علينا بالإحرام لا غيره .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : لا يطلق في اللغة اسم الصيد إلا على ما كان في البرية وحشيا غير متملك فإذا تملك لم يقع عليه اسم صيد بعد .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فهذان القولان هما اللذان لا يجوز أن يفهم من الآية غيرهما وكل ما عداهما فقول فاسد متناقض لا يدل على صحته دليل أصلا فوجب أن ننظر في أي القولين يقوم على صحته البرهان - : فوجدنا أهل المقالة الأولى يحتجون بحديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي { أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده عليه ، وقال : إنا حرم لا نأكل الصيد } . [ ص: 283 ]

                                                                                                                                                                                          وروي هذا الحديث أيضا بلفظ : { أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه وقال : لولا أنا محرمون لقبلناه منك } .

                                                                                                                                                                                          روينا اللفظ الأول : من طريق حماد بن زيد عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس : عن الصعب بن جثامة .

                                                                                                                                                                                          واللفظ الثاني : من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أهدى الصعب بن جثامة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن زيد بن أرقم أخبره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له عضو من لحم صيد فرده وقال : إنا لا نأكله إنا حرم } .

                                                                                                                                                                                          وهذان خبران رويناهما من طرق كلها صحاح - وهذا قول روي عن علي ومعاذ ، وابن عمر - وبه يقول أبو بكر بن داود - : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال : أهدي إلى ابن عمر ظبي مذبوحة بمكة فلم يقبلها ، وكان ابن عمر يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال - : فنظرنا فيما احتجت به الطائفة الأخرى - : فوجدناهم يحتجون بما رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان هو ابن عيينة - نا صالح بن كيسان قال : سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة يقول : سمعت أبا قتادة يقول : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة فمنا المحرم ومنا غير المحرم إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش فأسرجت فرسي وأخذت رمحي ثم ركبت فسقط مني سوطي فقلت لأصحابي : ناولوني سوطي وكانوا محرمين فقالوا : لا والله لا نعينك عليه [ ص: 284 ] بشيء فنزلت فتناولته ; ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمح فعقرته فأتيت به أصحابي فقال بعضهم : كلوه ، وقال بعضهم : لا تأكلوه ، وكان النبي عليه السلام أمامنا فحركت فرسي فأدركته فقال : هو حلال فكلوه } .

                                                                                                                                                                                          أبو محمد مولى أبي قتادة ثقة اسمه نافع روى عنه أبو النضر وغيره .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا أحمد بن عبدة الضبي نا فضيل بن سليمان النميري نا أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محرمون وأبو قتادة محل } فذكر الحديث وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { هل معكم منه شيء ؟ قالوا : معنا رجله فأخذها رسول الله عليه السلام فأكلها } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج أخبرني محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال : { كنا مع طلحة بن عبيد الله ، ونحن حرم فأهدي لنا طير وطلحة راقد ، فمنا من تورع ، ومنا من أكل فلما استيقظ طلحة وفق من أكله ، وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الليث بن سعد عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري قال : { بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء وهم حرم إذا حمار معقور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فيوشك صاحبه أن يأتي فجاء رجل من بهز هو الذي عقر الحمار فقال : يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار ، فأمر عليه السلام أبا بكر فقسمه بين الناس } .

                                                                                                                                                                                          وهو قول عمر بن الخطاب ، وطلحة كما ذكرنا ، وأبي هريرة - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سمع أبا هريرة يحدث أباه عبد الله بن عمر قال : سألني قوم محرمون عن محلين أهدوا لهم صيدا ؟ قال : فأمرتهم بأكله ، ثم لقيت عمر فأخبرته ، فقال عمر : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتك . [ ص: 285 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني يوسف بن ماهك أنه سمع عبد الله بن أبي عمار قال : أقبلنا مع معاذ بن جبل محرمين بعمرة من بيت المقدس وأميرنا معاذ بن جبل فأتى رجل بحمار وحش قد عقره فابتاعه كعب بن مسلم فجاء معاذ والقدور تغلي به ، فقال معاذ : لا يطيعني أحد إلا أكفأ قدره فأكفأ القوم قدورهم فلما وافوا عمر قص عليه كعب قصة الحمار ، قال عمر : ما بأس ذلك ؟ ومن نهى عن ذلك ؟ لعلك أفتيت بذلك يا معاذ ؟ قال : نعم - فلامه عمر .

                                                                                                                                                                                          وهو أيضا قول ابن عمر ، وابن مسعود ، وأبي ذر ، ومجاهد ، والليث ، وأبي حنيفة ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فكانت هذه الأخبار والتي قبلها صحاحا كلها ، فالواجب في ذلك الأخذ بجميعها واستعمالها كما هي دون أن يزاد في شيء منها ما ليس فيه ، فيقع فاعل ذلك في الكذب ، فنظرنا في هذه الأخبار فوجدنا فيها إباحة أكل ما صاده الحلال للمحرم .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في التي قبلها فوجدناها ليس فيها نهي المحرم عن أكل ما صاده المحل أصلا وإنما فيها قوله عليه السلام : { إنا لا نأكله إنا حرم ، ولولا أننا محرمون لقبلناه } فإنما فيه رد الصيد على مهديه ، لأنهم حرم وترك أكله لأنهم حرم ; وهذا فعل منه عليه السلام وليس أمرا ، وإنما الواجب أمره وإنما في فعله الائتساء به فقط .

                                                                                                                                                                                          وهذا مثل قوله عليه السلام : { أما أنا فلا آكل متكئا } .

                                                                                                                                                                                          وتركه أكل الضب - فلم يحرم بذلك الأكل متكئا لكن هو الأفضل .

                                                                                                                                                                                          ولم يحرم أيضا أكل المحرم الصيد يصيده المحل بقوله عليه السلام { إنا لا نأكله إنا حرم } لكن كان ترك أكله أفضل .

                                                                                                                                                                                          وهكذا روي عن عائشة ولا حرج في أكله أصلا ولا كراهة لأنه عليه السلام قد أباحه وأكله أيضا ، فمرة أكله ، ومرة لم يأكله ، ومرة قبله ، ومرة لم يقبله - فكل ذلك حسن مباح .

                                                                                                                                                                                          وهكذا القول في الحديث الذي فيه { أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيض نعام وتتمير وحش فقال : أطعمه أهلك فإنا حرم } لو صح فكيف ولا يصح ؟ فإذ لا شك في هذا فقد [ ص: 286 ] صح أن قول الله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } إنما أراد به التصيد في البر فقط .

                                                                                                                                                                                          وصح أن قوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } نهي عن قتله في حال كون المرء حرما ، والذكاة ليست قتلا بلا خلاف في الشريعة ، والقتل ليس ذكاة ، فصح أنه لم ينه عن تذكيته ، وإذا ثبت هذا فلم يأت النص بنهي عن تملك الصيد بغير التصيد فهو حلال .

                                                                                                                                                                                          وبرهان قاطع - : وهو أن النبي عليه السلام سكن المدينة إلى أن مات ، وهي حرم كمكة سواء سواء وأصحابه بعده ، ولم يزل عليه السلام يهدى له الصيد ولأصحابه ويدخل به المدينة حيا فيبتاع ويذبح ويؤكل ويتملك ، ومذكى فيباع ويؤكل ، هذا أمر لا يقدر على إنكاره أحد جيلا بعد جيل ، وكذلك بمكة وهي حرم - : حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب هو ابن أبي خيثمة - نا عبيد الله بن عمر نا حماد بن زيد قال : سمعت داود بن أبي هند يحدث هشام بن عروة أن عطاء يكره ما أدخل من الصيد من الحل أن يذبح في الحرام ، فقال هشام : وما علم عطاء ، ومن يأخذ عن ابن رباح كان أمير المؤمنين بمكة - يعني عمه ابن الزبير - تسع سنين يراها في الأقفاص وأصحاب رسول الله عليه السلام يقدمون بها القماري واليعاقيب لا ينهون عن ذلك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ما لم يمنع منه الحرم لم يمنع منه الإحرام إذ لم يفرق بين ذلك النص أصلا فارتفع الإشكال - وبالله تعالى التوفيق - إلا أن أبا حنيفة قال : من أحرم وفي منزله صيد أو معه في قفص لم يلزمه إرساله فإن كان في يده لزمه إرساله فإن وجده بعد إحلاله في يد إنسان قد أخذه كان له ارتجاعه وانتزاعه من الذي هو بيده ، وهذا تخليط ناهيك به ، ولئن كان يسقط ملكه عنه بإحرامه فما له أن يأخذه ممن ملكه ولا سبيل إلى عودة ملكه عليه بعد سقوطه إلا ببرهان ، وإن كان ملكه لم يسقط عنه بإحرامه فلا يلزمه إرساله .

                                                                                                                                                                                          وقال أيضا : إن صاد محل صيدا فأدخله حرم مكة حيا فعليه أن يرسله فإن باعه [ ص: 287 ] فسخ بيعه ، فإن باعه ممن يذبحه أو ذبحه فعليه الجزاء - وهذا تخليط وتناقض لما ذكرنا قبل .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن مجاهد لا بأس أن يدخل الصيد في الحرم حيا - ثم يذبح .

                                                                                                                                                                                          وعن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وسعيد بن جبير أيضا مثل هذا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان قال : رأيت الصيد يباع بمكة حيا في إمارة ابن الزبير .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ولا فرق بين من كان في الحرم ، وبين المحرم في الحل والحرم ، لأن كليهما يقع عليه اسم حرم - وبالله تعالى التوفيق - فإذ قد صح هذا فالواجب فيمن قتل صيدا متملكا وهو محرم أو في الحرم أن يؤدي لصاحبه صيدا مثله يبتاعه له أو قيمته إن لم يوجد مثله ، ولا جزاء فيه ولا يؤكل الذي قتل لأنه ميتة ، إذ قتله بغير إذن صاحبه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وها هنا قولان آخران ، أحدهما : قوم قالوا : لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده هو أو يصد له ، واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن { عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمار وحش فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه للنبي عليه السلام وذكرت أني لم أكن أحرمت فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له } .

                                                                                                                                                                                          وبما رويناه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله عليه السلام : { صيد البر لكم حلال وأنتم حرم إلا ما اصطدتم وصيد لكم } .

                                                                                                                                                                                          فروينا هذا عن عثمان وأنه أتي بصيد وهو وأصحابه محرمون فأمرهم بأكله ولم يأكله هو فقال له عمرو بن العاص : يا عجبا لك تأمرنا أن نأكل مما لست آكلا ؟ فقال عثمان : إني أظن إنما صيد من أجلي ، فأكلوا ولم يأكل - وهو قول مالك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما خبر جابر فساقط ، لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف . وأما خبر أبي قتادة فإن معمرا رواه كما ذكرنا . ورواه عن يحيى بن أبي كثير معاوية بن سلام ، وهشام الدستوائي كلاهما يقول [ ص: 288 ] فيه : عن يحيى حدثني عبد الله بن أبي قتادة ، ولا يذكران ما ذكر معمر ، ولم يذكر فيه معمر سماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة .

                                                                                                                                                                                          ورواه أيضا : شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فلم يذكر فيه ما ذكر معمر .

                                                                                                                                                                                          ورواه أيضا : أبو محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة - فلم يذكر فيه ما ذكر معمر ، ورواه أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة فذكر : أن رسول الله عليه السلام أكل منه .

                                                                                                                                                                                          فلا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه - : إما أن تغلب رواية الجماعة على رواية معمر لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من ابن أبي قتادة ولم يذكر معمرا .

                                                                                                                                                                                          وتسقط رواية يحيى بن أبي كثير جملة لأنه اضطرب عليه ويؤخذ برواية أبي حازم ، وأبي محمد ، وابن موهب ، الذين لم يضطرب عليهم لأنه لا يشك ذو حس أن إحدى الروايتين وهم .

                                                                                                                                                                                          إذ لا يجوز أن تصح الرواية في أنه عليه السلام أكل منه ، وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه ، وهي قصة واحدة في وقت واحد ، في مكان واحد في صيد واحد ، ويؤخذ بالزائد وهو الحق الذي لا يجوز تعديه ؟ فنظرنا في ذلك - : فوجدنا من روى عن عبد الله بن أبي قتادة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل منه } قد أثبت خبرا وزاد علما على ما روي عنه أنه عليه السلام لم يأكل منه ، فوجب الأخذ بالزائد ولا بد وترك رواية من لم يثبت ما أثبته غيره - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما فعل عثمان فإننا روينا من طريق سعيد بن منصور أنا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث أن أبا النضر مولى عمر بن عبيد الله حدثه أن بسر بن سعيد أخبره أن عثمان بن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته ، ثم إن الزبير كلمه ، فقال : ما أدري ما هذا يصاد لنا ومن أجلنا ؟ لو تركناه ؟ فتركه .

                                                                                                                                                                                          فصح أنه رأي من عثمان ، والزبير ، واستحسان ، لا منع ، ولا عن أثر عندهما ، [ ص: 289 ] ومثل هذا لا تقوم به حجة ، ولا يشك أحد في أن أبا قتادة لم يصد الحمار إلا لنفسه وأصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكله فسقط هذا القول .

                                                                                                                                                                                          وقول آخر : وهو أنه حلال للمحرم ما صاده الحلال ما لم يشر له إليه أو يأمره بصيده واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق شعبة أنا عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت { عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه : أنهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم فرأيت حمار وحش فركبت فرسي وأخذت رمحي فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطا من بعضهم وشددت على الحمار فأصبته فأكلوا منه فأشفقوا منه ، فسئل عن ذلك رسول الله عليه السلام ؟ فقال : هل أشرتم أو أعنتم ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوه } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي عوانة عن عبد الله بن عثمان بن موهب عن ابن أبي قتادة عن أبيه بمثله إلا أنه قال : هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأننا لا ندري ماذا كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال له : نعم ؟ إلا أن اليقين عندنا أن كل ما لم يقله عليه السلام ولا حكم به فإنه غير لازم ولا تؤخذ الديانة بالتكهن ، ونحن على يقين من أنه لو لزم بإشارتهم إليه ، أو أمرهم إياه ، أو عونهم له حكم تحريم لبينه عليه السلام ، فإذ لم يفعل فلا حكم لذلك .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا عن عطاء في محرم كان بمكة فاشترى حجلة فأمر محلا بذبحها أنه لا شيء عليه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية