الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب

                                                                                                          514 حدثنا محمد بن حميد الرازي وعباس بن محمد الدوري قالا حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب قال أبو عيسى وهذا حديث حسن وأبو مرحوم اسمه عبد الرحيم بن ميمون وقد كره قوم من أهل العلم الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ورخص في ذلك بعضهم منهم عبد الله بن عمر وغيره وبه يقول أحمد وإسحق لا يريان بالحبوة والإمام يخطب بأسا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب ) قال الجزري في النهاية : الاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها ، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب يقال : احتبى يحتبي احتباء ، والاسم الحبوة بالضم والكسر والجمع حبا وحبا .

                                                                                                          قوله : ( والعباس بن محمد الدوري ) ، الخوارزمي نزيل بغداد ، أحد الحفاظ الأعلام ، روى عن أبي عبد الرحمن المقري وأبي داود الطيالسي وغيرهما ، وروى عنه أصحاب السنن الأربعة ، ولزم ابن معين وأخذ عنه الجرح والتعديل ، وثقه النسائي وغيره مات سنة 271 إحدى وسبعين ومائتين ، ( قالا : أخبرنا أبو عبد الرحمن المقري ) اسمه عبد الله بن يزيد المكي أصله من البصرة والأهواز ، ثقة فاضل أقرأ القرآن نيفا وسبعين سنة ، من التاسعة ، وهو من كبار شيوخ البخاري ، ( عن سعيد بن أبي أيوب ) الخزاعي مولاهم المصري ، ثقة ثبت واسم أبي أيوب مقلاص ، ( قال حدثني أبو مرحوم ) اسمه عبد الرحيم بن ميمون المدني ، نزيل مصر ، قال الحافظ : صدوق زاهد من السادسة ( عن سهل بن معاذ ) بن أنس الجهني .

                                                                                                          [ ص: 37 ] قوله : ( نهى عن الحبوة ) قال في القاموس : احتبى بالثوب اشتمل ، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها ، والاسم الحبوة ويضم ، انتهى .

                                                                                                          ( يوم الجمعة والإمام يخطب ) ، قال الخطابي : إنما نهى عن الاحتباء في ذلك الوقت ؛ لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض ، وقد ورد النهي عن الاحتباء مطلقا غير مقيد بحال الخطبة ولا بيوم الجمعة ؛ لأنه مظنة لانكشاف عورة من كان عليه ثوب واحد .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد وأبو داود . قال الشوكاني في النيل : في سنده سهل بن معاذ ، وقد ضعفه يحيى بن معين ، وتكلم فيه غير واحد ، وفي سنده أيضا أبو مرحوم ضعفه ابن معين . وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به ، قال : وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه قال : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الاحتباء يوم الجمعة ، يعني والإمام يخطب ، وفي إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة عن شيخه عبد الله بن واقد ، قال العراقي : لعله من شيوخه المجهولين ، عن جابر عند ابن عدي في الكامل ، وفي إسناده عبد الله بن ميمون القداح ، وهو ذاهب الحديث كما قال البخاري .

                                                                                                          قوله : ( وقد كره قوم من أهل العلم الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ) . قال أبو داود في سننه : لم يبلغني أن أحدا كرهها إلا عبادة بن نسي ، انتهى .

                                                                                                          قال العراقي : وورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا والإمام يخطب يوم الجمعة . رواه ابن أبي شيبة في المصنف ، قال : ولكنه قد اختلف عن الثلاثة فنقل عنهم القول بالكراهة ونقل عنهم عدمها ؛ واستدلوا بأحاديث الباب .

                                                                                                          قال الشوكاني : وهي تقوي بعضها بعضا ( ورخص في ذلك بعضهم إلخ ) قال أبو داود في سننه : وكان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب ، وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ومكحول وإسماعيل بن محمد بن سعد ونعيم بن سلامة قال : لا بأس بها ، انتهى .

                                                                                                          وذهب أكثر أهل العلم كما قال العراقي إلى عدم الكراهة واستدلوا بما رواه أبو داود عن [ ص: 38 ] يعلى بن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال : شهدت مع معاوية فتح بيت المقدس فجمع بنا ، فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأيتهم محتبين والإمام يخطب . وسكت عنه أبو داود والمنذري .

                                                                                                          قال الشوكاني : وفي إسناده سليمان بن عبد الله بن الزبرقان وفيه لين ، وقد وثقه ابن حبان ، وأجابوا عن أحاديث الباب بأنها كلها ضعيفة ، وإن كان الترمذي قد حسن حديث معاذ بن أنس وسكت عنه أبو داود .

                                                                                                          قلت : أحاديث الباب وإن كانت ضعيفة لكن يقوي بعضها بعضا ، ولا يشك في أن الحبوة جالبة للنوم ، فالأولى أن يحترز عنها يوم الجمعة في حال الخطبة ، هذا ما عندي ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية