الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2143 3 - ( حدثنا أحمد بن محمد المكي قال : حدثنا عمرو بن يحيى ، عن جده ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم أربعة ، الأول : أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي ، ويقال : الزرقي ، الثاني : عمرو بن يحيى بن سعيد ، الثالث : جده سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي ، الرابع : أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن شيخه وشيخ شيخه من أفراده وهما مكيان وأن سعيد بن عمرو جد عمرو بن يحيى مدني الأصل ، كان مع أبيه إذ غلب على دمشق ، فلما قتل أبوه سيره عبد الملك بن مروان مع أهل بيته إلى الحجاز ، ثم سكن الكوفة ، وهذا الإسناد بعينه مر في باب الاستنجاء بالحجارة ، والحديث أخرجه ابن ماجه أيضا في التجارات عن سويد بن سعيد .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " إلا رعى الغنم " ، وفي رواية الكشميهني : إلا راعى الغنم ، قوله : " وأنت " أي وأنت أيضا رعيت الغنم ؟ فقال : نعم ، قوله : " على قراريط " ، واختلف في القراريط ، فقيل : هي قراريط النقد ، والدليل عليه ما رواه ابن ماجه عن سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط ، وقال سويد شيخ ابن ماجه : يعني كل شاة بقيراط يعني [ ص: 80 ] القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم ، وقال إبراهيم الحربي : قراريط اسم موضع بمكة قرب جياد ، ولم يرد القراريط من النقد ، وقال ابن الجوزي : الذي قاله الحربي أصح ، وهو تبع في ذلك شيخه ابن ناصر ، فإنه خطأ سويدا في تفسيره ، وقال بعضهم : لكن رجح الأول لأن أهل مكة لا يعرفون مكانا يقال له قراريط ( قلت ) وكذلك لا يعرفون القيراط الذي هو من النقد ولذلك جاء في الصحيح : " ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط " ولكن لا يلزم من عدم معرفتهم القراريط الذي هو اسم موضع والقراريط التي من النقد أن لا يكون للنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بذلك علم ، فالنبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لما أخبر بأنه رعى الغنم على قراريط علموا في ذلك الوقت أنها اسم موضع ولم يكونوا علموا به قبل ذلك ; لكون هذا الاسم قد هجر استعماله من قديم الزمان ، فأظهره - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في ذلك الوقت ، ويدل على تأييد ذلك شيئان ، أحدهما : أن كلمة على في أصل وضعها للاستعلاء ، والاستعلاء حقيقة لا يكون إلا على القراريط الذي هو اسم موضع ، وعلى القراريط من النقد يكون بطريق المجاز ، فلا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة ولا تعذر هنا ، والثاني : جاء في رواية : كنت أرعى غنم أهلي بجياد ، وهو موضع بأسفل مكة ، فهذا يدل على أنه يرعى تارة بجياد وتارة بقراريط الذي هو المكان ، وهذا يدل أيضا أنه ما كان يرعى بأجرة ، فإذا كان كذلك فلا دخل للقراريط من النقد في هذا الموضع . فإن قلت : متى كان هذا الرعي في عمره صلى الله تعالى عليه وسلم ؟ ( قلت ) : علم بالاستقراء من كلام ابن إسحاق والواقدي أنه كان وعمره نحو العشرين سنة ( فإن قلت ) : ما الحكمة فيه ؟ ( قلت ) : التقدمة والتوطئة في تعريفه سياسة العباد ، وحصول التمرن على ما سيكلف من القيام بأمر أمته . ( فإن قلت ) : ما وجه تخصيص الغنم فيه ؟ ( قلت ) : لأنها أضعف من غيرها وأسرع انقيادا ، وهي من دواب الجنة ( فإن قلت ) : ما الحكمة في ذكره - صلى الله تعالى عليه وسلم - ذلك ؟ ( قلت ) : إظهار تواضعه لربه مع كونه أكرم الخلق عليه وتنبيه أمته على ملازمة التواضع واجتناب الكبر ولو بلغ أقصى المنازل الدنياوية ، وفيه أيضا اتباع لأخوته من الرسل الذين رعوا الغنم ، وفي حديث للنسائي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث موسى وهو راعي غنم ، وبعث داود وهو راعي غنم - عليهما وعليه صلوات الله وسلامه دائما أبدا - .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية