الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4984 [ ص: 23 ] ص: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدفع القطع في الخيانة.

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: سمعت ابن جريج يحدث، عن أبي الزبير ، عن جابر ، - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس على الخائن ولا المختلس ولا المنتهب قطع".

                                                4985 حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا ابن جريج... ، فذكر بإسناده مثله.

                                                4986 حدثنا عبيد بن رجال ، قال: ثنا إسماعيل بن سالم ، قال: ثنا شبابة بن سوار ، قال: ثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                فلما كان الخائن لا قطع عليه، وفرق رسول الله -عليه السلام- بينه وبين السارق، وأحكمت السنة أمر السارق الذي يجب عليه القطع أنه الذي يسرق مقدارا من المال معلوما من حرز، ، وكان المستعير آخذا لما استعار من غير حرز؛ ، ثبت أنه لا قطع . عليه في ذلك؛ لعدم الحرز، . وهذا الذي ذكرنا -مما صححنا عليه معاني هذه الآثار- قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه حجة أخرى في بيان عدم وجوب القطع على المستعير الجاحد، فنقول: الجاحد لما استعاره خائن، والخائن لا قطع عليه، فالمستعير الخائن لا قطع عليه.

                                                أما عدم وجوب القطع على الخائن فلقوله -عليه السلام-: "ليس على الخائن قطع".

                                                أخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري .

                                                [ ص: 24 ] وأخرجه الترمذي: ثنا علي بن خشرم، قال: أنا عيسى بن يونس ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- قال: " ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع ".

                                                قال أبو عيسى: هذا حسن صحيح.

                                                وهذا يدل على أن الترمذي تحقق اتصال الحديث؛ فلذلك قال: حسن صحيح.

                                                وأخرجه أبو داود: نا نصر بن علي، قال: أنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال أبو الزبير: قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله -عليه السلام-: " ليس على المنتهب قطع، ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا ".

                                                وبهذا الإسناد قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: " ليس على الخائن قطع ".

                                                حدثنا نصر بن علي، قال: أنا عيسى بن يونس ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                زاد: "ولا على المختلس قطع".

                                                قال أبو داود: وهذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج عن أبي الزبير، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعها ابن جريج من ياسين الزيات، وقال النسائي: وقد روى هذا الحديث عن ابن جريج: عيسى بن يونس ، والفضل بن موسى ، وابن وهب ، ومحمد بن ربيعة ، ومخلد بن يزيد ، وسلمة بن سعيد فلم يقل أحد منهم: حدثني أبو الزبير، ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير والله أعلم.

                                                قلت: حكم الترمذي عليه بالصحة يدل على الاتصال كما ذكرناه.

                                                [ ص: 25 ] الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، عن جابر .

                                                وأخرجه ابن ماجه: عن ابن بشار ، عن أبي عاصم ، عن ابن جريج ...إلى آخره نحوه.

                                                الثالث: عن عبيد بن رجال ، عن إسماعيل بن سالم الصائغ شيخ مسلم ، عن شبابة بن سوار الفزاري المدائني ، عن المغيرة بن مسلم القسملي السراج ، عن أبي الزبير ، عن جابر .

                                                وأخرجه النسائي: عن خالد بن روح الدمشقي ، عن يزيد بن خالد ، عن عبد الله بن موهب ، عن شبابة بن سوار ، عن المغيرة بن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن جابر، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: " ليس على المختلس ولا على المنتهب ولا على الخائن قطع ".

                                                قوله: "ولا المختلس" من الخلس -بضم الخاء- وهو الأخذ بسرعة، وقال ابن الأثير: الخلسة ما يؤخذ سلبا ومكابرة.

                                                قوله: "والمنتهب" هو الذي يأخذ الشيء عيانا. بغلبة.

                                                وقال المنذري: يحتمل أنه أسقط القطع عن المختلس؛ لأن صاحبه قد يمكنه دفعه عن نفسه بمجاهدته وبالاستعانة بالناس، وإذا قصر في ذلك جاز، كأنه أتي من قبل نفسه، والخائن لا يخون حتى يكون مؤتمنا على الشيء غير محترز عنه، فبه يسقط القطع عنه؛ لأن صاحب المال أعان على نفسه بائتمانه.

                                                وقال الإمام أحمد: يجب عليهم القطع. وحكي عن إياس بن معاوية أنه يجب القطع على المختلس، وحكي عن داود أنه كان يرى القطع على من أخذ مالا لغيره سواء أخذه من حرز أو غيره.

                                                [ ص: 26 ] وقال ابن حزم: اختلفوا في المختلس، فقالت طائفة: لا قطع عليه. واحتج لهم بما روى مالك ، عن الزهري: "أن رجلا اختلس طوقا، فسأل عنها مروان زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، فقال: ليس عليه قطع". وعن الشعبي أن رجلا اختلس طوقا فأخذوه وهو في حجرته، فرفع إلى [عمار] بن ياسر وهو على الكوفة، فكتب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فكتب إليه أنه عادي الظهيرة ولا قطع عليه".

                                                وعن الحسن البصري في الخلسة: "لا قطع فيها".

                                                وهو قول النخعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم، وبه يقول إسحاق بن راهويه .

                                                وقالت طائفة: عليه القطع. ثم روى من طريق ابن أبي شيبة ، عن عبد الأعلى ، عن هشام أن عدي بن أرطأة رفع إليه رجل اختلس خلسة فقال إياس بن معاوية: عليه القطع.

                                                وإليه مال ابن حزم. والله أعلم بالصواب.




                                                الخدمات العلمية