الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  حديث الحجاج بن علاط

                                                                  9771 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط : يا رسول الله إن لي بمكة مالا ، وإن لي بها أهلا ، وإني أريد أن آتيهم ، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا ؟ " فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول ما شاء ، فأتى امرأته حين قدم فقال : " اجمعي لي ما كان عندك ، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد صلى الله عليه وسلم [ ص: 467 ] وأصحابه ، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم " وفشا ذلك بمكة فانقمع المسلمون ، وأظهر المشركون فرحا وسرورا قال : وبلغ الخبر العباس بن عبد المطلب ، فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم " .

                                                                  قال معمر : فأخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم قال : فأخذ ابنا له يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له : قثم ، فاستلقى فوضعه على صدره وهو يقول :

                                                                  حبي قثم ، شبيه ذي الأنف الأشم نبي رب ذي النعم ، برغم أنف من رغم

                                                                  قال ثابت : قال أنس : ثم أرسل غلاما له إلى الحجاج : ماذا جئت به ؟ وماذا تقوم ؟ فما وعد الله خير مما جئت به قال : فقال الحجاج بن علاط : " اقرأ على أبي الفضل السلام ، وقل له : فليخل في بعض بيوته لآتيه ، فإن الخبر على ما يسره " قال : فجاءه غلامه ، فلما بلغ باب الدار قال : " أبشر يا أبا الفضل " قال : فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه ، فأخبره بما قال الحجاج فأعتقه قال : ثم جاءه الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر ، وغنم أموالهم ، وجرت سهام الله تبارك وتعالى في أموالهم ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ابنة حيي فأخذها لنفسه ، وخيرها بين أن يعتقها وتكون زوجه ، أو تلحق بأهلها ، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجه، ولكني جئت لمال كان لي هاهنا أردت أن أجمعه فأذهب [ ص: 468 ] به فاستأذنت رسول الله فأذن لي أن أقول ما شئت " وأخف عني - ثلاثا - ثم اذكر ما بدا لك " قال : فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع ، فدفعته إليه ثم انشمر به ، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال : ما فعل زوجك ؟ فأخبرته أن قد ذهب يوم كذا وكذا ، وقالت : لا يخزيك الله يا أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك قال : أجل فلا يخزيني الله ، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا ، فتح الله تبارك وتعالى خيبر على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجرت سهام الله تعالى في أموالهم ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، فإن كان لك حاجة في زوجك فالحقي به قالت : أظنك والله صادقا قال : فإني والله صادق ، والأمر على ما أخبرتك قال : ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش ، وهم يقولون إذا مر بهم : لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل قال : لم يصبني إلا خير بحمد الله ، قد أخبرني الحجاج بن علاط أن : " خيبر فتحها الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا ، وإنما جاء ليأخذ ماله ، وما له من شيء هاهنا ، ثم يذهب " قال : فرد الله تبارك وتعالى الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، وخرج المسلمون ممن كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر ، وسر المسلمون ، ورد الله تبارك [ ص: 469 ] وتعالى ما كان [ من ] كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية