الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( الثاني تكبيرة الإحرام ) للحديث الصحيح { تحريمها التكبير وتحليلها التسليم } مع قوله للمسيء صلاته في الخبر المتفق عليه إذا قمت إلى الصلاة فكبر سميت بذلك لتحريمها ما كان حلالا قبلها وجعلت فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناها الدال على عظمته من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع ، ومن ثم زيد في تكريرها ليدوم له استصحاب ذينك في جميع صلاته إذ لا روح ولا كمال لها بدونهما والواجب فيها ككل قولي إسماع نفسه إن صح سمعه ولا لغط أو نحوه ( ويتعين على القادر ) عليها لفظ ( الله أكبر ) للإتباع مع خبر البخاري { صلوا كما رأيتموني أصلي } أي علمتموني إذ الأقوال لا ترى فلا يكفي الله كبير ولا الرحمن أكبر ويسن جزم الراء وإيجابه غلط وحديث { التكبير جزم } لا أصل له وبفرض صحته المراد به عدم مده كما حملوا عليه الخبر الصحيح { السلام جزم } على أن الجزم المقابل للرفع اصطلاح حادث فكيف تحمل عليه الألفاظ الشرعية وعدم تكريرها [ ص: 14 ] ويضر زيادة واو ساكنة لأنه يصير جمع لاه أو متحركة بين الكلمتين كمتحركة قبلهما وإنما صح والسلام عليكم على ما في فتاوى القفال لتقدم ما يمكن العطف عليه ثم لا هنا وكذا كل ما غير المعنى كتشديد الباء وزيادة ألف بعدها بل إن علم معناه كفر ولا تضر وقفة يسيرة بين كلمتيه وهي سكتة التنفس وبحث الأذرعي أنه لا يضر ما زاد عليها لنحو عي ويسن أن لا يصل همزة الجلالة بنحو مأموما ولو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل [ ص: 15 ] دخل فيها بالوتر وخرج بالشفع لأنه لما دخل بالأولى خرج بالثانية لأن نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الأولى وهكذا فإن لم ينو ذلك ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية فما بعد الأولى ذكر لا يؤثر ونظير ذلك إن حلفت بطلاقك فأنت طالق فإذا كرره طلقت بالثانية وانحلت بها اليمين الأولى وبالرابعة وانحلت بها الثالثة وبالسادسة وانحلت بها الخامسة وهكذا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله إذ الأقوال لا ترى ) أي فهذا قرينة إرادة العلم ( قوله على أن الجزم إلخ ) بل الجزم الاصطلاحي لا يتصور هنا [ ص: 14 ] قوله كمتحركة قبلهما ) قال الناشري وإذا قال والله أكبر بزيادة الواو ولم يجزئه ذلك ذكر ذلك في العجالة عن فتاوى القفال وأقره وقال ابن المنير المالكي أن الصلاة تصح لأن الهمزة تبدل واوا كما تبدل الواو همزة ا هـ كلام الناشري وفيه تناف لا يخفى لأن قوله بزيادة الواو يقتضي أنه جمع بين الواو وهمزة الجلالة وهذا هو الذي عناه الشارح بقوله كمتحركة قبلهما كما هو ظاهر وما نقله عن ابن المنير يقتضي أنه أتى بالواو بدل همزة الجلالة وهذه لم يذكرها الشارح هنا وذكرها في شرح الإرشاد بالنسبة لهمزة أكبر حيث قال وإبدال أي ويضر إبدال همزة أكبر واوا من العالم دون الجاهل فيما يظهر وإن كان ظاهر كلام جمع الصحة مطلقا لأنه لغة ا هـ واعلم أن ما ذكر عن ابن المنير إنما نقله الشارح عنه في همزة أكبر ( قوله لتقدم ما يمكن إلخ ) قد يرد على هذا الفرق أن الواو تكون للاستئناف فهلا صحت الواو قبلهما حملا عليه .

                                                                                                                              ( قوله ولو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل إلخ ) في شرح العباب قال القاضي ولو شك أثناء صلاته هل كبر للافتتاح فكبر حالا ولم يسلم [ ص: 15 ] انعقدت صلاته لأن الأصل عدم الافتتاح لكن الاحتياط أن يسلم ثم يكبر ا هـ وما ذكره أولا يخالفه ما يأتي عن ابن القاص والرافعي وما ذكره آخرا فيه نظر فإنه إن لم يؤثر شكه حرم عليه الخروج من الفرض وإلا حرم عليه التسليم لأنه تلبس بعبادة فاسدة فالسلام من الفرض حرام على كل تقدير فكيف يكون احتياطا ثم رأيت الزركشي صرح بنحو ذلك ثم قال في شرح العباب قال ابن القاص والرافعي ولو شك في الانعقاد فكبر ثانية قبل نية الخروج لم تنعقد لأنه يحصل بها الحل فلا يحصل بها العقد وللشك في هذه التكبيرة هل هي شفع أو وتر ولا انعقاد مع الشك ونظر فيه بأن شكه في الإحرام يصيره ليس في صلاة فلا يحتاج لنية الخروج ا هـ وأقول قياس ما مر أنه حيث أثر الشك بأن طال زمنه أو مضى ما مر انعقدت بالثانية لأنه عند التلبس بها ليس في صلاة وإلا خرج بها واحتاج لثالثة للانعقاد ا هـ كلام شرح العباب لكن قد يشكل على ما نقله عن الرافعي ما ذكروه قبيل سجدة التلاوة واللفظ للروض وإن دخل في الصلاة وظن أنه لم يكبر للإحرام فاستأنف الصلاة . [ ص: 16 ] فإن علم بعد فراغ الثانية

                                                                                                                              أي أنه كان كبر تمت بها الأولى أو قبله بنى على الأولى وسجد للسهو في الحالين ا هـ إلا أن يفرق بين الظن والتردد باستواء فليتأمل ثم أوردت ذلك على م ر فحاول الفرق بما لم يظهر ( قوله دخل بالوتر وخرج بالشفع ) قال في الروض وشرحه هذا إن لم ينو بين كل تكبيرتين خروجا أو افتتاحا وإلا فيخرج بالنية ويدخل بالتكبيرة ثم قال في شرحه هذا كله مع العمد كما قاله ابن الرفعة أما مع السهو فلا بطلان ا هـ وظاهره رجوع قوله أما مع السهو لقوله إن لم ينو بينهما إلخ أيضا فليتأمل فيه .

                                                                                                                              ( فرع ) كبر إنسان مرتين فهل يمتنع على غيره الاقتداء به لأنه خرج بالثانية أو يصح الاقتداء به حملا على الصحة لأنها الظاهر من حال المصلي مع احتمال أنه نوى الخروج بينهما فانعقدت صلاته بالثانية أو أنه نوى بالأولى الافتتاح ولم ينو بالثانية شيئا فهي ذكر لا يؤثر في استمرار انعقاد صلاته بالأولى فيه نظر والأوجه الثاني ويؤيده ما لو تنحنح إمامه فإنه لا يلزمه مفارقته لاحتمال تعمده ونسيانه ولو كبر ناويا ويا ركعتين ثم كبر ناويا أربعا فالوجه بطلان الأولى وعدم انعقاد الثانية نعم إن قصد الخروج بعد الأولى انعقدت الثانية كما هو ظاهر

                                                                                                                              ( فرع ) نوى مع الله أكبر من قوله الله أكبر كبيرا إلخ فهل تنعقد صلاته ولا يضر ما وصله بالتكبير من قوله كبيرا إلخ الوجه نعم م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( تكبيرة الإحرام ) أي في القيام وبدله نهاية ومغني ( قوله للحديث ) إلى المتن في النهاية والمغني إلا قوله ومن ثم إلى والواجب ( قوله مع قوله إلخ ) لعل الأولى العطف كما في المغني ليفيد استقلال كل من الحديثين في الاستدلال ( قوله للمسيء صلاته إلخ ) اسمه خلاد بن رافع الزرقي عميرة ا هـ ع ش ( قوله سميت بذلك ) أي سميت هذه التكبيرة بتكبيرة الإحرام مغني ( قوله لتحريمها إلخ ) أي لأنه يحرم بها على المصلي ما كان حلالا له قبله من مفسدات الصلاة كالأكل والشرب والكلام ونحو ذلك مغني ونهاية ( قوله وجعلت ) أي التكبيرة ( قوله في تكريرها ) أي تكرير التكبيرة في الانتقالات ( قوله إسماع نفسه ) ظاهره ولو لحدة سمعه على خلاف العادة ( قوله عليها ) أي على النطق بها نهاية ( قوله للإتباع ) إلى قوله ونظير ذلك في المغني إلا قوله كما حملوا إلى وعدم تكريرها وقوله وإنما صح إلى وكذا وقوله وبحث إلى ويسن وكذا في النهاية إلا قوله ولا يضر إلى ويسن ( قوله للإتباع ) أي لأنه المأثور من فعله صلى الله عليه وسلم نهاية ومغني ( قوله إذ الأقوال لا ترى ) أي فهذا قرينة إرادة العلم سم ( قوله فلا يكفي الله كبير ) أي لفوات معنى أفعل وهو التفضيل و ( قوله ولا الرحمن ) أي أو الرحيم ( أكبر ) أي ولا الله أعظم وأجل لأنه لا يسمى تكبيرا نهاية .

                                                                                                                              ( قوله ويسن جزم الراء إلخ ) ولا يضر ضمها كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا لما اعتمده جمع متأخرون نهاية قال ع ش وبقي ما لو فتح الهاء أو كسرها من الله وما لو فتح الراء أو كسرها من أكبر هل يضر أو لا ؟ فيه نظر والأقرب عدم الضرر لما يأتي من أن اللحن في القراءة إذا لم يغير المعنى لا يضر ونقل بالدرس عن فتاوى والد الشارح ما يوافق ما قلناه في المسألة الثانية ا هـ عبارة المغني ولو لم يجزم الراء من أكبر لم يضر خلافا لما اقتضاه كلام ابن يونس في شرح التنبيه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا أصل له إلخ ) أي وإنما هو قول النخعي نبه على ذلك الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي وعلى تقدير وجوده فمعناه عدم التردد فيه نهاية ومغني ( قوله عدم مده ) أي التكبير و ( قوله وعليه إلخ ) أي عدم المد ( قوله على أن الجزم إلخ ) بل الجزم الاصطلاحي لا يتصور هنا سم ( قوله الألفاظ إلخ ) أي السابقة عليه ( قوله وعدم تكريرها ) عطف على قوله جزم الراء عبارة المغني ونقل عن فتاوى ابن رزين أنه لو شدد الراء بطلت صلاته واعترض عليه بأن الوجه خلافه ا هـ زاد النهاية إذ الراء حرف تكرير فزيادته لا تغير المعنى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 14 ] ويضر إلخ ) ظاهره ولو جاهلا بما ذكر ع ش ( قوله زيادة واو إلخ ) أي ومد همزة الله نهاية ومغني أي لأنه ينقلب من لفظ الخبر الإنشائي إلى الاستفهام شيخنا .

                                                                                                                              ( قوله والسلام عليكم ) أي في التحليل ( قوله لتقدم ما يمكن العطف إلخ ) قد يرد على هذا الفرق أن الواو يكون للاستئناف فهلا صحت الواو قبلهما حملا عليه سم وقد يجاب بأن الأصل في الواو العطف بل أنكر بعض النحاة مجيئها للاستئناف ( قوله كتشديد الباء ) ووجهه أنه لا يمكن تشديدها إلا بتحريك الكاف لأن الباء المدغمة ساكنة والكاف ساكنة ولا يمكن النطق بهما وإذا حركت تغير المعنى لأنه يصير أكبر مغني . ( قوله كتشديد الباء إلخ ) ظاهره ولو جاهلا ع ش ( قوله وزيادة ألف إلخ ) أي وإبدال همزة أكبر واوا من العالم دون الجاهل وإبدال الكاف همزة ، ولو زاد في المد على الألف التي بين اللازم والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء وهو عالم بالحال فيما يظهر ضر نهاية قال ع ش قوله م ر دون الجاهل ظاهر تقييد ما ذكر بالعالم أن تغيير غير العالم يضر مطلقا في غير هذه الصورة ولو قيل بعدم الضرر في بقية الصور مع الجهل لم يبعد لأنه مما يخفى إلا أن يقال ما تغير به المعنى يخرج الكلمة عن كونها تكبيرا ويصيرها أجنبية ، والصلاة وإن لم تبطل بالكلمة الأجنبية لكن تبطل بنقصان ركن مطلقا كما لو جهل وجوب الفاتحة عليه فصلى بدونها وقوله م ر لا يراه أحد من القراء أي في قراءة غير متواترة إذ يخرجه ذلك عن كونه لغة وغاية مقدار ما نقل عنهم على ما نقله ابن حجر سبع ألفات وتقدر كل ألف بحركتين وهو على التقريب ويعتبر ذلك بتحريك الأصابع متوالية متقاربة للنطق بالمد ا هـ وجرى شيخنا على إطلاق الضرر في جميع ما تقدم في الشرح والحاشية إلا في إبدال الهمزة واوا فقيده بالعالم وفي مد الألف التي بين اللازم والهاء فتركه بالكلية ولم يذكره .

                                                                                                                              ( قوله كفر ) أي لأنه يصير جمع كبر وهو الطبل الذي له وجه واحد نهاية ( قوله ولا يضر وقفة يسيرة إلخ ) خلافا لظاهر قول شيخنا وتضر الوقفة الطويلة بينهما ، وكذا اليسيرة على المعتمد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وبحث الأذرعي إلخ ) اعتمده النهاية ونقل البجيرمي عن العباب ما يوافقه عبارته قوله وعدم وقفة طويلة أي بأن زادت على سكتة التنفس والعي كما في العباب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويسن أن لا يصل إلخ ) فالوصل خلاف الأولى نهاية ومغني ( قوله بنحو مأموما ) أي مما قبل لفظة الجلالة كمقتديا وإماما ( قوله ولو كبر مرات إلخ ) ولو شك في أنه أحرم أو لا فأحرم قبل أن ينوي الخروج من الصلاة لم تنعقد لأنا نشك في هذه النية أنها شفع أو وتر فلا تنعقد الصلاة مع الشك ، وهذا من الفروع النفيسة .

                                                                                                                              ولو اقتدى بإمام فكبر ثم كبر فهل يجوز له الاقتداء به حملا على أنه قطع النية ونوى الخروج من الأولى أو يمتنع لأن الأصل عدم قطعه للنية الأولى يحتمل أن يكون على الخلاف فيما لو تنحنح في أثناء صلاته فإنه يحمله على السهو ولا يقطع الصلاة في الأصح ومقتضاه البقاء في مسألتنا وهو الأوجه ولو أحرم بركعتين وكبر للإحرام ثم كبر له بنية أربع ركعات فهذا يحتمل الإبطال لأنه لم يرفض النية الأولى بل زاد عليها فتبطل ولا تنعقد الثانية وهو الأوجه نهاية وفي سم ما يوافقه قال ع ش قوله م ر فأحرم قبل أن ينوي أي وقبل طول الفصل فإن طال بطلت صلاته وتنعقد بالثانية ا هـ .

                                                                                                                              وقال السيد عمر البصري قوله ومقتضاه البقاء إلخ أي إن كان اقتداء المأموم به بين التكبيرتين [ ص: 15 ] فصحيح لأن صلاته انعقدت صحيحة وشك في طرو مبطل للإمام والأصل عدمه وتكون المسألة حينئذ نظير مسألة التنحنح وإن كان اقتداؤه به بعد التكبيرتين فباطل لأنه اقتدى بمن يشك في صحة صلاته فلا يكون جازما بالنية هذا ما ظهر لي ا هـ . أقول قضية كلامه عدم صحة الاقتداء في مسألة التنحنح بعده فليراجع ( قوله دخل فيها بالوتر إلخ ) هذا إن لم ينو بينهما خروجا أو افتتاحا وإلا فيخرج بالنية ويدخل بالتكبير نهاية ومغني وأسنى وشرح بافضل زاد شيخنا والوسوسة عند تكبيرة الإحرام من تلاعب الشيطان وهي تدل على خبل في العقل أو نقص في الدين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فإن لم ينو ذلك ) أي إن لم ينو بغير الأولى شيئا نهاية ومغني ( قوله كإعادة لفظ النية ) أي وتردد في النية مع طول ع ش ( قوله لا يؤثر إلخ ) ولا يؤثر أيضا كما هو ظاهر لو نوى ذلك وتخلل نحو إعادة النية إذ بالتلفظ بالمبطل يبطل الأول فلم تكن نية الافتتاح مع التكبير الثاني مثلا متضمنة لقطع الأول ثم رأيت في النهاية ما يؤيد ذلك بصري .

                                                                                                                              ( قوله ونظير ذلك ) أي قولهم ولو كبر مرات إلخ ( قوله فإذا كرره ) أي قوله إن حلفت بطلاقك إلخ ( قوله وهكذا ) انظر ما فائدته وقد تم الطلاق الثلاث بالسادسة إلا أن يقال إنه على فرض الزيادة على الثلاث




                                                                                                                              الخدمات العلمية