الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب السؤال عن أركان الإسلام

                                                                                                                12 حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى قال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة حدثني عبد الله بن هاشم العبدي حدثنا بهز حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال قال أنس كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وساق الحديث بمثله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب السؤال عن أركان الإسلام

                                                                                                                فيه حديث أنس رضي الله عنه : قال : ( نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك قال : صدق ) إلى آخر الحديث .

                                                                                                                قوله : ( نهينا أن نسأل ) يعني سؤال ما لا ضرورة إليه كما قدمنا بيانه قريبا في الحديث الآخر : سلوني أي تحتاجون إليه .

                                                                                                                وقوله : ( الرجل من أهل البادية ) يعني من لم يكن بلغه النهي عن السؤال .

                                                                                                                [ ص: 141 ] وقوله : ( العاقل ) كونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه ، وحسن المراجعة ; فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب ، ولأن أهل البادية هم الأعراب ، ويغلب فيهم الجهل والجفاء . ولهذا جاء في الحديث " من بدا جفا " والبادية والبدو بمعنى وهو ما عدا الحاضرة والعمران ، والنسبة إليها بدوي ، والبداوة الإقامة بالبادية وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة وقال أبو زيد : هي بفتح الباء قال ثعلب : لا أعرف البداوة بالفتح إلا عن أبي زيد .

                                                                                                                قوله : ( فقال يا محمد ) قال العلماء لعل هذا كان قبل النهي عن مخاطبته - صلى الله عليه وسلم - باسمه قبل نزول قول الله عز وجل لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا على أحد التفسيرين أي : لا تقولوا يا محمد ، بل يا رسول الله ، يا نبي الله ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية ولم تبلغ الآية هذا القائل .

                                                                                                                وقوله : ( زعم رسولك أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك قال صدق ) فقوله : زعم وتزعم مع تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه ، بل يكون أيضا في القول المحقق ، والصدق الذي لا شك فيه . وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : زعم جبريل كذا وقد أكثر سيبويه وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله : زعم الخليل ، زعم أبو الخطاب ، يريد بذلك القول المحقق . وقد نقل ذلك جماعات من أهل اللغة وغيرهم ، ونقله أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين . والله أعلم .

                                                                                                                ثم اعلم أن هذا الرجل الذي جاء من أهل البادية اسمه ضمام بن ثعلبة بكسر الضاد المعجمة كذا جاء مسمى في رواية البخاري . وغيره .

                                                                                                                قوله : ( قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله ، قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله ، قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : الله . قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ، قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ) . هذه جملة تدل على أنواع من العلم . قال صاحب التحرير : هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وتربيته ; فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع ، ثم لما وقف على رسالته [ ص: 142 ] وعلمها أقسم عليه بحق مرسله ، وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين ، ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر لا لافتقاره إليها ، كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة ، هذا كلام صاحب التحرير قال القاضي عياض . والظاهر أن هذا الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه وإنما جاء مستثبتا ومشافها للنبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم . وفي هذا الحديث جمل من العلم غير ما تقدم .

                                                                                                                منها : أن الصلوات الخمس متكررة في كل يوم وليلة وهو معنى قوله في يومنا وليلتنا .

                                                                                                                وأن صوم شهر رمضان يجب في كل سنة ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله : وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون ، وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قرر ضمانا على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية . هذا كلام الشيخ وفي هذا الحديث العمل بخبر الواحد وفيه غير ذلك . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية