الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل الضحاك الخارجي

قد ذكرنا محاصرة الضحاك بن قيس الخارجي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بواسط ، فلما طال عليه الحصار أشير عليه بأن يدفعه عن نفسه إلى مروان ، فأرسل ابن عمر إليه : إن مقامكم علي ليس بشيء ، هذا مروان فسر إليه فإن قاتلته فأنا معك . فصالحه وخرج إليه وصلى خلفه ، فانصرف إلى الكوفة ، وأقام ابن عمر بواسط ، وكاتب أهل الموصل الضحاك ليقدم عليهم ليمكنوه منها ، فسار في جماعة من جنوده بعد عشرين شهرا حتى انتهى إليها ، وعليها يومئذلمروان رجل من بني شيبان يقال له القطران بن أكمه ، ففتح أهل الموصل البلد ، فدخله الضحاك وقاتلهم القطران ومن معه من أهله وهم عدة يسيرة حتى قتلوا ، واستولى الضحاك على الموصل وكورها .

وبلغ مروان خبره وهو محاصر حمص مشتغل بقتال أهلها ، فكتب إلى ابنه عبد الله ، وهو خليفته بالجزيرة ، يأمره أن يسير إلى نصيبين فيمن معه يمنع الضحاك عن توسط الجزيرة ، فسار إليها في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف ، وسار الضحاك إلى نصيبين فحصر عبد الله فيها ، وكان مع الضحاك ما يزيد على مائة ألف ، ووجه قائدين من قواده إلى الرقة في أربعة آلاف أو خمسة آلاف ، فقاتله من بها ، فوجه إليهم مروان من رحلهم عنها .

ثم إن مروان سار إلى الضحاك فالتقوا بنواحي كفرتوثا من أعمال ماردين فقاتله يومه أجمع ، فلما كان عند المساء ترجل الضحاك ومعه من ذوي الثبات وأرباب البصائر نحو من ستة آلاف ، ولم يعلم أكثر أهل عسكره بما كان ، فأحدقت بهم خيول مروان وألحوا عليهم في القتال حتى قتلوهم عند العتمة ، وانصرف من بقي من أصحاب الضحاك عند العتمة إلى عسكرهم ، ولم يعلموا بقتل الضحاك ، ولم يعلم به مروان أيضا . وجاء بعض من عاينه إلى أصحابه فأخبرهم ، فبكوا وناحوا عليه ، وخرج قائد من قواده إلى مروان فأخبره ، فأرسل معه النيران والشمع فطافوا عليه فوجدوه قتيلا وفي وجهه وفي رأسه أكثر من عشرين ضربة ، فكبروا ، فعرف عسكر الضحاك أنهم قد علموا بقتله ، وبعث مروان رأسه إلى مدائن الجزيرة فطيف به فيها .

[ ص: 353 ] وقيل : إن الضحاك والخيبري إنما قتلا سنة تسع وعشرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية