الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم ، أي : رجع من المناجاة ، يروى أنه لما قرب من محلة بني إسرائيل سمع أصواتهم ، فقال : هذه أصوات قوم لاهين ، فلما تحقق عكوفهم على عبادة العجل داخله الغضب والأسف وألقى الألواح . وقال الطبري : أخبره تعالى قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل فلذلك رجع وهو غاضب ، ويدل على هذا القول قوله : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري الآية ، و غضبان : من صفات المبالغة والغضب غليان القلب بسبب حصول ما يؤلم ، وذكروا أنه - عليه السلام - كان من أسرع الناس غضبا وكان سريع الفيئة ، قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : كان إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته و أسفا من أسف فهو أسف ، كما تقول فرق فهو فرق ، يدل على ثبوت الوصف ، ولو ذهب به مذهب الزمان لكان على فاعل ، فيقال : آسف ، والآسف : الحزين ، قاله ابن عباس والحسن والسدي ، أو الجزع ، قاله مجاهد ، أو المتلهف أو الشديد الغضب ، قاله الزمخشري ، وابن عطية قال : وأكثر ما يكون بمعنى الحزين أو المغضب ، قاله ابن قتيبة ، أو النادم قاله القتبي أيضا ، أو متقاربان قاله الواحدي ، قال : فإذا أتاك ما تكره ممن دونك غضبت ، أو ممن فوقك حزنت ، فأغضبه عبادتهم العجل ، وأحزنه فتنة الله إياهم ، وكان قد أخبره بذلك بقوله : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وتقدم الكلام على بئسما في أوائل [ ص: 395 ] البقرة ، والخطاب إما للسامري وعباد العجل ، أي : بئسما قمتم مقامي حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله تعالى ، وإما لوجوه بني إسرائيل : هارون والمؤمنين حيث لم يكفوا من عبد غير الله ، و خلفتموني يدل على البعدية في الزمان ، والمعنى هنا : من بعد ما رأيتم مني توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له ، أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن ما طمحت إليه أبصارهم من عبادة البقر ، ومن حق الخلف أن يسير سيرة المستخلف ولا يخالفه ، ويقال : خلفه بخير أو شر ، إذا فعله عن ترك من بعده . أعجلتم استفهام إنكار ، قال الزمخشري : يقال : عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ، ونقيضه تم عليه ، وأعجله عنه غيره ، ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته ، فيقال : عجلت الأمر ، والمعنى : أعجلتم عن أمر ربكم ، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ، ولم أرجع إليكم فحدثتم أنفسكم بموتي فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم ، وروي أن السامري قال لهم حين أخرج إليهم العجل : هذا إلهكم وإله موسى ، إن موسى لن يرجع ، وإنه قد مات ، انتهى . وقال ابن عطية : معناه أسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني من قبل الوقت الذي قدرته ، انتهى ، وقال يعقوب : يقال : عجلت الشيء سبقته ، وأعجلت الرجل استعجلته ، أي : حملته على العجلة ، انتهى ; وقيل : معناه أعجلتم ميعاد ربكم أربعين ليلة ; وقيل : أعجلتم سخط ربكم ; وقيل : أعجلتم بعبادة العجل ; وقيل : العجلة التقدم بالشيء في غير وقته ، قيل : وهي مذمومة ، ويضعفه قوله : وعجلت إليك رب لترضى والسرعة المبادرة بالشيء في غير وقته وهي محمودة .

التالي السابق


الخدمات العلمية