الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة

                                                                      562 حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمرو حدثهم عن داود بن قيس قال حدثني سعد بن إسحق حدثني أبو ثمامة الحناط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه قال فوجدني وأنا مشبك بيدي فنهاني عن ذلك وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة

                                                                      التالي السابق


                                                                      قال في المصباح : الهدي مثال فلس السيرة ، يقال : ما أحسن هديه ، والسيرة الطريقة وأيضا الهيئة والحالة . انتهى . والمعنى هذا باب في بيان أن من يخرج إلى المسجد لأداء الصلاة كيف يكون سيرته وطريقته في المشي .

                                                                      ( أبو ثمامة الحناط ) بمهملة ونون حجازي مجهول الحال من الثالثة . قاله في التقريب ( أن كعب بن عجرة أدركه ) أي أبا ثمامة الحناط ( وهو ) أي ثمامة والجملة حالية ( يريد المسجد ) للصلاة وهذه الجملة مشعرة بأن كعبا أدرك أبا ثمامة في طريق المسجد فلقي أحدهما صاحبه ، وكان أبو ثمامة مشبكا بيديه ، وصار الإدراك من الجانبين ، وإليه أشار بقوله ( أدرك أحدهما صاحبه ) والظاهر أن هذه مقولة لأبي ثمامة قالها بصيغة الغائب ثم ( قال ) أبو ثمامة بإظهار الواقعة ( فوجدني ) أي كعب بن عجرة ( وأنا مشبك بيدي ) من التشبيك والنهي عنه لمن كان في الصلاة أو لمن خرج إليها أو انتظرها مثلا لكونه كمن في الصلاة . قاله في فتح الودود ( ثم خرج عامدا ) أي قاصدا ( فلا يشبكن يديه ) وقد ورد النهي عن ذلك في أحاديث منها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه فقال حدثنا أبو عروبة حدثنا محمد بن سعدان حدثنا سليمان بن عبد الله عن عبيد الله بن عمر عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت إلى [ ص: 203 ] المسجد فلا تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة ومنها ما أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا ، وشبك بين أصابعه وقال حديث صحيح على شرط الشيخين . ومنها ما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن عمه عن مولى لأبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى رجلا جالسا وسط الناس وقد شبك بين أصابعه يحدث نفسه ، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن له ، فالتفت إلى أبي سعيد فقال : إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان فإن قلت : هذه الأحاديث ، وحديث الباب معارضة لما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك أصابعه ولما أخرجه البخاري عن أبي هريرة في قصة ذي اليدين ووضع يده اليمنى على اليسرى ثم شبك بين أصابعه الحديث ، وقد ترجم البخاري على هذين الحديثين بجواز تشبيك الأصابع في المسجد وغيره قلت : هذه الأحاديث غير مقاومة لحديث البخاري في الصحة ولا مساوية .

                                                                      وقال ابن بطال : وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة بما روي عن النهي من التشبيك في المسجد ، وقد وردت فيه مراسيل ومسند من طريق غير ثابتة . قلت كأنه أراد بالمسند حديث كعب بن عجرة الذي ذكرناه .

                                                                      فإن قلت : حديث كعب هذا رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان ، قلت : في إسناده اختلاف فضعفه بعضهم بسببه ، وقيل : ليس بين هذه الأحاديث معارضة ، لأن النهي إنما ورد عن فعل ذلك في الصلاة أو في المضي إلى الصلاة ، وفعله صلى الله عليه وسلم ليس في الصلاة ولا في المضي إليها فلا معارضة إذا وبقي كل حديث على حياله . فإن قلت في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وقع تشبيكه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ، قلت إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه فهو في حكم المنصرف عن الصلاة والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة لأن فيها ضعيفا ومجهولا . وقال ابن المنير : التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ . قاله العيني في شرح البخاري . وقال الخطابي : تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والامتساك بها وقد يفعله بعض [ ص: 204 ] الناس عبثا ، ويفعل بعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجد من التمدد فيها ، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيده يريد به الاستراحة وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره ، فقيل لمن تطهر وخرج متوجها إلى الصلاة لا تشبك بين أصابعك لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي انتهى . وقوله فلا يشبكن يديه هو موضع الترجمة . قال المنذري : والحديث أخرجه الترمذي من حديث سعيد المقبري عن رجل غير مسمى عن كعب بن عجرة وأخرجه ابن ماجه من حديث المقبري عن كعب بن عجرة ولم يذكر الرجل .




                                                                      الخدمات العلمية