الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                                        السنن الكبرى للنسائي

                                                                                                                        النسائي - أحمد بن شعيب النسائي

                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        56 - هجرة المرأة زوجها

                                                                                                                        حديث المتظاهرتين

                                                                                                                        9309 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس قال : لم أزل حريصا أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، فحج عمر ، [ ص: 296 ] وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة ، فتبرز ، ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله لهما : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ؟ قال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس ! عائشة وحفصة ، ثم أخذ يسوق الحديث ، قال : كنا - معشر قريش - قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة ، وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي ، فغضبت يوما على امرأتي ، فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله ، إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، فانطلقت ، فدخلت على حفصة فقلت : أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : نعم ، قلت : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم ، قلت : لقد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت ؟ لا تراجعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسأليه ، وسليني ما بدا لك ، ولا يغررك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 297 ] منك - يريد عائشة - فكان لي جار من الأنصار ، وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل يوما ، وينزل يوما ، فيأتيني بخبر الوحي وغيره ، وآتيه بمثل ذلك ، وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا ، فنزل صاحبي يوما ، ثم أتاني عشاء ، فضرب بابي ثم نادى فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر ، قلت : ما حدث ؟ جاءت غسان ؟ قال : لا ، بل هو أعظم من ذلك ، طلق النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فقلت : لقد خابت حفصة إذا وخسرت ، قد كنت أظن هذا كائنا ، حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ، ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي ، فقلت - ثم ذكر كلمة معناها : أطلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : لا أدري ، هذا هو معتزل في هذه المشربة ، فلقيت غلاما له أسود ، فقلت : استأذن لعمر ، فدخل الغلام ، ثم خرج إلي ، فقال : قد ذكرتك له ، فصمت ، فانطلقت حتى أتيت المنبر ، فإذا عنده رهط جلوس ، يبكي بعضهم ، فجلست قليلا ، فغلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر ، فدخل الغلام ثم رجع إلي ، قال : قد ذكرتك له ، فصمت ، فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فرجعت إلى الغلام ، فقلت : استأذن لعمر ، فدخل ، ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فوليت مدبرا ، فإذا الغلام يدعوني ، فقال : ادخل ، فقد أذن لك . فدخلت ، فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو متكئ على حصير قد أثر في جنبه ، فقلت : أطلقت [ ص: 298 ] يا رسول الله نساءك ؟ فرفع إلي رأسه ، وقال : لا . قلت : الله أكبر ، لو رأيتنا يا رسول الله ، وكنا - معشر قريش - قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت يوما على امرأتي ، فطفقت تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني فقالت : ما تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه ، وتهجره إحداهن يوما إلى الليل ، فقلت : لقد خاب من فعل ذلك منهن وخسر ، أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت ؟ ! فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، فدخلت على حفصة فقلت : لا يغررك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك ، فتبسم أخرى . فقلت : أستأنس يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فجلست فرفعت رأسي في البيت ، فوالله ما رأيت شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله ، ادع الله يوسع على أمتك ، فقد وسع الله على فارس والروم ، وهم لا يعبدون الله ، فاستوى جالسا وقال : أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، فقلت : استغفر لي يا رسول الله ، قال : وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        الخدمات العلمية