الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين

                                                                                                                                                                                                طرفي النهار : غدوة وعشية، وزلفا من الليل : وساعات من الليل، وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه، وصلاة الغدوة: الفجر، وصلاة العشية: الظهر والعصر; لأن ما بعد الزوال عشي، وصلاة الزلف: المغرب والعشاء، [ ص: 243 ] وانتصاب طرفي النهار على الظرف، لأنهما مضافان إلى الوقت; كقولك: أقمت عنده جميع النهار، وأتيته نصف النهار، وأوله، وآخره، تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه; ونحوه: وأطراف النهار [طه: 130]، وقرئ: "وزلفا" بضمتين، "وزلفا" بسكون اللام، "وزلفي": بوزن قربى، فالزلف: جمع زلفة، كظلم في ظلمة، والزلف بالسكون: نحو: بسرة وبسر، والزلف بضمتين نحو: بسر في بسر . والزلفي بمعنى: الزلفة، كما أن القربى بمعنى القربة: وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل، وقيل: "وزلفا من الليل": وقربا من الليل، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة، أي: أقم الصلاة طرفي النهار، وأقم زلفا من الليل، على معنى: وأقم صلاة تتقرب بها إلى الله -عز وجل- في بعض الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات : فيه وجهان، أحدهما: أن يراد تكفير الصغائر بالطاعات، وفي الحديث: "إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر".

                                                                                                                                                                                                والثاني: "إن الحسنات يذهبن السيئات": بأن يكن لطفا في تركها، كقوله: اتل ما أوحي إليك من الكتاب [العنكبوت: 45]، وقيل: نزلت في أبي اليسر عمرو ابن غزية الأنصاري كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق الله، فتركها وندم، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما فعل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنتظر أمر ربي"، فلما صلى صلاة العصر نزلت، فقال: "نعم، اذهب; فإنها كفارة لما عملت، وروي أنه أتى أبا بكر فأخبره فقال: استر على نفسك وتب إلى الله، فأتى عمر -رضي الله عنه- فقال له مثل ذلك، ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت، فقال عمر : أهذا له خاصة أم للناس عامة ؟ فقال: بل [ ص: 244 ] للناس عامة، وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "توضأ وضوآ حسنا وصل ركعتين"، إن الحسنات يذهبن السيئات ، "ذلك": إشارة إلى قوله: "فاستقم" فما بعده: [ ص: 245 ] ذكرى للذاكرين : عظة للمتعظين .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية