الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما الخيل السائمة إذا اختلط ذكورها وإناثها ففيها الصدقة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن شاء صاحبها أدى عن كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأدى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي - رحمهم الله تعالى - لا شيء فيها . فإن كانت إناثا كلها فعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان ذكرهما الطحاوي رحمه الله تعالى وإن كانت ذكورا كلها فليس فيها شيء إلا في رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ذكرها في كتاب الآثار . وجه قولهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة } وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عفوت لأمتي عن صدقة الخيل والرقيق إلا أن في الرقيق صدقة الفطر } ولأنه لا يثبت للإمام حق الأخذ بالاتفاق ولا يجب من عينها شيء ، ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين وللإمام فيه حق الأخذ بدليل سائر الحيوانات واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بحديث ابن الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم ، وليس في المرابطة شيء } ، وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأمره بأن يأخذ من الخيل السائمة عن كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ووقعت هذه الحادثة في زمن مروان فشاور الصحابة رضي الله عنهم فروى أبو هريرة { ليس على الرجل في عبده ولا في فرسه صدقة } فقال مروان لزيد بن ثابت : ما تقول يا أبا سعيد ، فقال أبو هريرة : عجبا من مروان أحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ماذا تقول يا أبا سعيد ، قال زيد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أراد فرس الغازي ، فأما ما حبست لطلب نسلها ففيها الصدقة ، فقال : كم ، فقال : في كل فرس دينار أو عشرة دراهم والمعنى فيه أنه حيوان سائم في أغلب البلدان فتجب فيه زكاة السائمة كالإبل والبقر والغنم ، إلا أن الآثار فيها لم تشتهر لعزة الخيل ذلك الوقت وما كانت إلا معدة للجهاد .

وإنما لم يثبت أبو حنيفة رحمه الله تعالى للإمام ولاية الأخذ ; لأن الخيل مطمع كل طامع فإنه سلاح ، والظاهر أنهم إذا علموا به لا يتركونه [ ص: 189 ] لصاحبه وإنما يؤخذ من عينه ; لأن مقصود الفقير لا يحصل به ; لأن عينه غير مأكول اللحم عنده . وأما الإناث ، قال في إحدى الروايتين التي ذكرها الطحاوي رحمه الله تعالى أنه لا شيء فيها ; لأن معنى النماء فيها من حيث النسل ، وذلك لا يحصل بالإناث المفردات وفي الأخرى قال : يمكن أن يستعار لها فحل فيحصل النماء من حيث النسل . وأما في الذكور المنفردين لا شيء فيها في ظاهر الرواية ; لأن معنى النسل لا يحصل بها وبزيادة السن لا تزداد القيمة في الخيل بخلاف سائر الحيوانات ومعنى السمن غير معتبر ; لأن عينه غير مأكول عنده فلهذا قال لانعدام النماء لا شيء عليه فيها ، وفي رواية الآثار جعل هذا قياس سائر أنواع السائمة فإن بسبب السوم تخف المؤنة على صاحبها وبه يصير مال الزكاة فكذلك في الخيل

التالي السابق


الخدمات العلمية