الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة بصاقا أو مخاطا أو نخامة فحكه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          457 459 - ( مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ) أبصر ( في جدار القبلة بصاقا أو مخاطا ) ما يسيل من الأنف ( أو نخامة ) بضم النون ؛ قيل : هي ما يخرج من الصدر ، وقيل من الرأس ، والنخاعة بالعين من الصدر كذا هو في الموطأ بالشك ، وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك : أو نخاعا بدل مخاطا وهو أشبه .

                                                                                                          ( فحكه ) بيده سواء كان بآلة أم لا على ما فهم البخاري ، ونازعه الإسماعيلي فقال : أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر النخامة ونحوها لحديث أبي داود عن جابر : أنه حكها بعرجون .

                                                                                                          وأجيب بأن البخاري مشى على ما يحتمله اللفظ مع أنه لا مانع من تعدد القصة . وفي الحديث والذي قبله تنزيه المساجد من كل ما يستقذر وإن كان ظاهرا ، إذ لو كان نجسا لأمر بغسله ، وأباح - صلى الله عليه وسلم - للمصلي أن يبصق ويتنخم في ثوبه وعن يساره وقال : " إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه وإن ربه بينه وبين قبلته فليبصق إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها " رواهما الشيخان .

                                                                                                          قال عياض : إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه ، وأما من أراد دفنه فلا . ورده النووي بأنه خلاف صريح الحديث ، قال الحافظ : وهما عمومان تعارضا ، البزاق في المسجد خطيئة ، وقوله : وليبصق عن يسار أو تحت قدمه ، فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد ، وعياض يجعل الثاني عاما ويخص الأول بما إذا لم يرد دفنها ، وقد وافقه جماعة منهم مكي والقرطبي وغيرهما ، ويشهد لهم ما لأحمد بإسناد حسن عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا : " من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه " وأوضح منه في المقصود ما لأحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن عن أبي أمامة مرفوعا : " من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة " فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن . ونحوه حديث أبي ذر في مسلم مرفوعا قال فيه : " ووجدت في مساوي أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " قال القرطبي : فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة . انتهى .

                                                                                                          وروى سعيد بن منصور ، عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال : الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة . فدل على اختصاص الخطيئة بمن تركها لا بمن دفنها . وعلة النهي ترشد لذلك وهي تأذي المؤمن بها ، [ ص: 664 ] ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف . ولأبي داود ، عن عبد الله بن الشخير : " أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله " إسناده صحيح وأصله في مسلم ، والظاهر أنه كان في المسجد فيؤيد ما تقدم ، وتوسط بعضهم فحمل الجواز على من له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد ، والمنع على من لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن ، ثم المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصبائه ، قاله الجمهور . وقول الروياني : المراد إخراجها من المسجد أصلا مبني على المنع مطلقا كما يقوله النووي وقد عرف ما فيه ، ا هـ . وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وعن إسماعيل ، ومسلم عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به . 4



                                                                                                          الخدمات العلمية