الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك [ ص: 402 ] فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وألقيت عليك محبة مني فيه أربعة أوجه: أحدها: حببتك إلى عبادي ، قاله سلمى بن كميل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يعني حسنا وملاحة ، قاله عكرمة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: رحمتي ، قاله أبو جعفر (الطبري) .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: جعلت من رآك أحبك ، حتى أحبك فرعون فسلمت من شره وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك ، قاله ابن زيد. ويحتمل خامسا: أن يكون معناه: وأظهرت عليك محبتي لك وهي نعمة عليك لأن من أحبه الله أوقع في القلوب محبته. ولتصنع على عيني فيه وجهان: أحدهما: لتغذى على إرادتي ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لتصنع على عيني أمك بك ما صنعت من إلقائك في اليم ومشاهدتي.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 403 ] ويحتمل ثالثا: لتكفل وتربى على اختياري ، ويحتمل قوله: على عيني وجهين: أحدهما: على اختياري وإرادتي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بحفظي ورعايتي. كي تقر عينها ولا تحزن يحتمل وجهين: أحدهما: تقر عينها بسلامتك ولا تحزن بفراقك.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: تقر بكفالتك ولا تحزن بنفقتك. وقتلت نفسا يعني القبطي. فنجيناك من الغم يحتمل وجهين: أحدهما: سلمناك من القود.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أمناك من الخوف. وفتناك فتونا فيه أربعة أقاويل: أحدها: أخبرناك حتى صلحت للرسالة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بلوناك بلاء بعد بلاء ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: خلصناك تخليصا محنة بعد محنة ، أولها أنها حملته في السنة التي كان يذبح فرعون فيها الأطفال ثم إلقاؤه في اليم ، ومنعه الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جره بلحية فرعون حتى هم بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل التمرة ، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ، ثم مجيء رجل من شيعته يسعى بما عزموا عليه من قتله قاله ابن عباس . وقال مجاهد: أخلصناك إخلاصا. ثم جئت على قدر يا موسى فيه وجهان: أحدهما: على قدر الرسالة والنبوة، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: على موعدة، قاله قتادة ، ومجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 404 ] ويحتمل ثالثا: جئت على مقدار في الشدة وتقدير المدة ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية