الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة . أي أقضيها وأقدرها ، والضمير عائد على الرحمة لأنها أقرب مذكور ، ويحتمل عندي أن يعود على حسنة في قوله : واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة أي فسأكتب الحسنة ، وقاله ابن عباس ونوف البكالي وقتادة وابن جريج ، والمعنى متقارب ، لما سمع إبليس : ورحمتي وسعت كل شيء تطاول لها إبليس ، فلما سمع : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة يئس ، وبقيت اليهود والنصارى ، فلما تمادت الصفة تبين أن المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويئس النصارى واليهود من الآية ، وقال أهل التفسير : عرض الله هذه الخلال على قوم موسى ، فلم يتحملوها ولما انطلق وفد بني إسرائيل إلى الميقات ، قيل لهم : خطت لكم الأرض مسجدا وطهورا إلا عند مرحاض أو قبر أو حمام ، وجعلت السكينة في قلوبهم ، فقالوا : لا نستطيع فاجعل السكينة في التابوت ، والصلاة في الكنيسة ، ولا نقرأ التوراة إلا عن نظر ، ولا نصلي إلا في الكنيسة ، فقال الله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال نوف البكالي : إن موسى عليه السلام قال : يا رب جعلت وفادتي لأمة محمد ، قال نوف : فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم ، ومعنى يتقون قال ابن عباس وفرقة : الشرك ، وقالت فرقة : المعاصي ، فمن قال الشرك لا غير ، خرج إلى قول المرجئة ، ويرد عليه من الآية شرط الأعمال بقوله : ويؤتون الزكاة ، ومن قال : المعاصي ولا بد خرج إلى قول المعتزلة ، قال ابن عطية : والصواب أن تكون اللفظة عامة ، ولكن لا نقول : لا بد من اتقاء المعاصي ، بل نقول : مواقع المعاصي في المشيئة ، ومعنى يتقون يجعلون بينهم وبين المتقى حجابا ووقاية ، فذكر تعالى الرتبة العالية ليتسابق السامعون إليها ، انتهى ، ويؤتون الزكاة : الظاهر أنها زكاة المال وبه قال ابن عباس وروي عنه : ويؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم ، وقال الحسن : تزكية الأعمال بالإخلاص ، انتهى ، ولما كانت التكاليف ترجع إلى قسمين : تروك وأفعال ، والأفعال قسمان : راجعة إلى المال وراجعة إلى نفس الإنسان ، وهذان قسمان : علم وعمل ، فالعلم المعرفة ، والعمل إقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، فأشار بالاتقاء إلى التروك ، وبالفعل الراجح إلى المال بالزكاة ، وأشار إلى ما بقي بقوله : والذين هم بآياتنا يؤمنون وهذه شبيهة بقوله هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب الآية ، وفهم المفسرون من قوله : الذين يتقون إلى آخر الأوصاف إن المتصفين بذلك هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون من باب التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه ، فيكون قوله : للذين يتقون ويؤتون الزكاة لمن فعل ذلك قبل الرسول ، ويكون قوله : والذين هم بآياتنا يؤمنون من فعل ذلك بعد البعثة ، وفسر الآيات هنا بأنها القرآن ، وهو الكتاب المعجز .

التالي السابق


الخدمات العلمية