الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وفي زوال ملكه عن ماله بها ) أي الردة ( أقوال ) أحدها يزول مطلقا حقيقة ولا ينافيه عوده بالإسلام ؛ لأنه مجمع عليه ثانيهما : لا مطلقا ( و ) ثالثها وهو ( أظهرها إن هلك مرتدا بان زوال ملكه ، وإن أسلم بان أنه لم يزل ) ؛ لأن بطلان عمله يتوقف على موته مرتدا فكذا زوال ملكه ومحل الخلاف في غير ما ملكه في الردة بنحو اصطياد فهو إما فيء أو باق على إباحته وفي مال معرض للزوال لا نحو مكاتب وأم ولد [ ص: 100 ] وظاهر كلامه أنه بمجرد الردة يصير محجورا عليه ، وهو وجه والأصح أنه لا بد من ضرب الحاكم الحجر عليه وأنه كحجر المفلس لأنه لأجل حق الفيء هذا ما ذكره شارح وهو ضعيف والمعتمد أن ما لا يقبل الوقف يبطل مطلقا ، وأن ما يقبله إن حجر عليه بطل وإلا وقف

                                                                                                                              ( وعلى الأقوال ) كلها ( يقضى منه دين لزمه قبلها ) أي الردة بإتلاف أو غيره أو فيها بإتلاف كما سيذكره أما على بقاء ملكه فواضح وأما على زواله فهي لا تزيد على الموت والدين مقدم على حق الورثة فعلى حق الفيء أولى ومن ثم لو مات مرتدا وعليه دين وفي ثم ما بقي فيء وظاهر كلامهم أن المال انتقل جميعه لبيت المال متعلقا به الدين كما أنه لا يمنع انتقال جميع التركة للوارث ، وهو أوجه مما أفهمه ظاهر كلام بعضهم أنه لا ينتقل إليه إلا ما بقي ( وينفق عليه منه ) في مدة الاستتابة كما يجهز الميت من ماله ، وإن زال ملكه عنه بالموت

                                                                                                                              ( والأصح ) بناء على زوال ملكه ( أنه يلزمه غرم إتلافه فيها ) كمن حفر بئرا عدوانا يضمن في تركته ما تلف بها بعد موته ( ونفقة ) يعني مؤنة ( زوجات وقف نكاحهن ) نفقة الموسرين ( وقريب ) أصل أو فرع وإن تعدد وتجدد بعد الردة وأم ولد لتقدم سبب وجوبها أما على الوقف فيجب ذلك قطعا كنفقة القن ( وإذا وقفنا ملكه فتصرفه ) فيها ( إن احتمل الوقف ) بأن يقبل قوليه ومقصود فعليه التعليق ( كتعليق وتدبير ووصية موقوف إن أسلم نفذ ) أي بان نفوذه ( وإلا فلا )

                                                                                                                              ولو أوصى قبل الردة ومات مرتدا بطلت وصيته أيضا ( وبيعه ) ونكاحه ( ورهنه وهبته وكتابته ) على المعتمد ونحوها من كل ما لا يقبل الوقف لعدم قبوله للتعليق ( باطلة ) في الجديد لبطلان وقف العقود ووقف التبين إنما يكون حيث وجد الشرط حال العقد ولم يعلم وجوده وهنا ليس كذلك لما تقرر أن الشرط احتمال العقد للتعليق ، وهو منتف ، وإن احتمله مقصود العقد في الكتابة ( وفي القديم موقوفة ) بناء على صحة وقف العقود فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا ( وعلى الأقوال ) كلها خلافا لمن خصه بغير الأول ( يجعل ماله مع عدل وأمته عند ) نحو ( امرأة ثقة ) أو محرم ( ويؤجر ماله ) كعقاره وحيوانه صيانة له عن الضياع وللقاضي بيعه إن هرب ورآه مصلحة ( ويؤدي مكاتبه النجوم إلى القاضي ) ويعتق لعدم الاعتداد بقبض المرتد كالمجنون [ ص: 101 ] وذلك احتياط له لاحتمال إسلامه وللمسلمين لاحتمال موته مرتدا

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ومحل الخلاف في غير ما ملكه في الردة بنحو اصطياد فهو إما فيء أو باق على إباحته إلخ ) عبارة الروض وإلا أي ، وإن مات مرتدا بان أن ملكه فيء وما يملكه أي في الردة بنحو احتطاب على الإباحة ا هـ [ ص: 100 ] قوله : هذا ما ذكره شارح ) واقتصر عليه م ر ( قوله : كعتق وتدبير إلخ ) قال في الروض ووقف قال في شرحه وقوله من زيادته ووقف سهو فإنه ليس من ذلك بل مما ذكره بقوله لا بيع إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : وإن احتمله مقصود العقد ) ، وهو العتق ( قوله : وللقاضي بيعه إن هرب إلخ ) عبارة كنز الأستاذ ولو لحق بدار الحرب ورأى الحاكم الحظ في بيع الحيوان فعل ا هـ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              . ( قوله : أي الردة ) إلى قوله هذا ما ذكره في المغني إلا قوله ومحل الخلاف وقوله وفي مال معرض للزوال ( قوله : يزول مطلقا ) أي لزوال العصمة بردته وقوله لا مطلقا أي ؛ لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي ا هـ مغني ( قوله : ؛ لأنه مجمع عليه ) في تقريبه نظر ( قوله : وثالثها ) واوه مرقومة بالحمرة في نسخ التحفة وليست من المتن في نسخ المحلي وغيره من الشراح ا هـ سيد عمر ( قول المتن إن هلك مرتدا إلخ ) عبارة المغني أظهرها الوقف كبضع زوجته سواء التحق بدار الحرب أم لا فعليه إن هلك إلخ ( قول المتن زوال ملكه ) وفي المحلي والنهاية والمغني زواله بها ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : ملكه في الردة ) يعني حازه فيها ا هـ رشيدي ( قوله : أو باق على إباحته ) أي فإن عاد إلى الإسلام استقر عليه ملكه وعليه فلو انتزع منه قبل إسلامه ما صاده في الردة فالأقرب أنه يملكه [ ص: 100 ] الآخذ لعدم استقرار ملكه عليه حين الأخذ فلا يؤمر برده له بعد الإسلام وقوله لا نحو مكاتب وأم ولد أي أما هما فلا يزول ملكه عنهما اتفاقا لثبوت حق العتق لهما قبل ردته ا هـ ع ش ( قوله : وظاهر كلامه إلخ ) عبارة النهاية والأصح على القول ببقاء ملكه أنه لا يصير محجورا بمجرد الردة بل لا بد من ضرب الحاكم عليه خلافا لما اقتضاه ظاهر كلامه ا هـ قال الرشيدي انظر ما وجه اقتضاء ظاهر كلامه ذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأنه ) أي الحجر المضروب عليه ا هـ ع ش ( قوله : كحجر المفلس ) وقيل كحجر السفه وقيل كحجر المرض ا هـ مغني ( قوله : هذا ما ذكره شارح ) اعتمده النهاية والمغني

                                                                                                                              ( قوله : لا يقبل الوقف ) أي التعليق كالبيع ( قوله : مطلقا ) أي حجر عليه أم لا ( قوله : وأن ما يقبله ) أي كالعتق ( قوله : كلها ) إلى قول المتن أنه يلزم في المغني وإلى الكتاب في النهاية إلا قوله أما على الوقف إلى المتن وقوله قوليه ومقصود فعليه وقوله على المعتمد ونحوها ( قوله : أما على بقاء ملكه ) أي أو أنه موقوف ا هـ مغني ( قوله : وفي ) ببناء المفعول من الوفاء ( قوله : كما أنه لا يمنع ) أي الدين ( قوله : وهو أوجه مما أفهمه إلخ ) وفائدة الخلاف تظهر في فوائد التركة فعلى الأول لم يتعلق الدين بالزوائد وعلى الثاني يتعلق بها ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : في مدة الاستتابة ) أي إذا أخرت لعذر قام بالقاضي أو بالمرتد كجنون عرض عقب الردة ا هـ ع ش ويظهر ولو لغير عذر بل لتساهل القاضي في الاستتابة ( قوله : بناء على زوال ملكه ) سيذكر محترزه ويعني بهذا أن الخلاف الأصح ومقابله مبني على زوال ملكه لا خصوص الأصح ا هـ رشيدي ( قول المتن فيها ) أي الردة حتى لو ارتد جمع وامتنعوا عن الإمام ولم يصل إليهم إلا بقتال فما أتلفوا في القتال إذا أسلموا ضمنوه على الأظهر كما مرت الإشارة إليه في الباب الذي قبل هذا ا هـ مغني وفي الأسنى ما يوافقه

                                                                                                                              ( قوله : نفقة الموسرين ) في نسخة من التحفة المعسرين فليحرر ا هـ سيد عمر ( قوله : أما على الوقف ) أي أو بقاء ملكه ا هـ مغني ( قول المتن وإذا وقفنا ملكه ) ، وهو الأظهر كما مر ا هـ مغني ( قوله : فيها ) أي الردة ( قول المتن وإلا ) أي بأن مات مرتدا ا هـ مغني ( قوله : ونكاحه ) انظر هل الخلاف يجري فيه أيضا ا هـ رشيدي ( قوله : على المعتمد ) عبارة المغني ما ذكره في الكتابة من أنها على قولي وقف العقود حتى تبطل على الجديد هو المعتمد كما ذكره في المحرر هنا وفي الكتابة وصوبه في الروضة هنا ورجحا في الشرحين والروضة في باب الكتابة صحتها ورجحه البلقيني ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : ونحوها ) أي كالوقف كما في شرح الروض ا هـ سم ( قوله : مقصود العقد إلخ ) أي العتق سم ورشيدي ( قوله : مع عدل ) أي عنده يحفظه .

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              قد يفهم كلامه أنه يكتفي بالجعل المذكور على قول بقاء ملكه وليس مرادا بل عليه لا بد من ضرب الحجر عليه كما نص عليه الشافعي ا هـ مغني ( قول المتن ويؤجر ماله ) أي من جهة القاضي ا هـ ع ش ( قوله : بيعه إلخ ) أي الحيوان كما لا يخفى ا هـ رشيدي عبارة الروض فإن لحق بدار الحراب بيع عليه حيوانه بحسب المصلحة ا هـ .

                                                                                                                              ( قول المتن ويؤدي مكاتبه إلخ ) ولو أدى في الردة زكاة وجبت عليه قبلها ثم أسلم قال القفال ينبغي أن لا تسقط [ ص: 101 ] ولكن نص الشافعي على السقوط ؛ لأن المراد بالنية هنا التمييز ا هـ مغني ( قوله : وذلك إلخ ) راجع للجعل المذكور وما بعده ( قوله : لاحتمال موته مرتدا ) .

                                                                                                                              ( خاتمة )

                                                                                                                              لو امتنع مرتدون بنحو حصن بدأنا بقتالهم دون غيرهم ؛ لأن كفرهم أغلظ ولأنهم أعرف بعورات المسلمين فاتبعنا مدبرهم وذففنا جريحهم واستتبنا أسيرهم وعليهم ضمان ما أتلفوه في حال القتال كما مر ويقدم القصاص على قتل الردة وتجب الدية حيث لزمته في ماله مطلقا ؛ لأنه لا عاقلة له معجلة في العمد ومؤجلة في غيره فإن مات حلت ؛ لأن الأجل يسقط بالموت ولا يحل الدين المؤجل بالردة ولو وطئت مرتدة بشبهة كأن وطئت مكرهة أو استخدم المرتد أو المرتدة إكراها فوجوب المهر والأجرة موقوفان ولو أتى في ردته بما يوجب حدا كأن زنى أو سرق أو قذف أو شرب خمرا حد ثم قتل مغني وروض مع شرحه




                                                                                                                              الخدمات العلمية