الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        355 - الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته } - وفي لفظ : { ثمنه - ثلاثة دراهم } .

                                        التالي السابق


                                        اختلف الفقهاء في النصاب في السرقة ، أصلا وقدرا ، أما الأصل : فجمهورهم على اعتبار النصاب ، وشذ الظاهرية فلم يعتبروه ، ولم يفرقوا بين القليل والكثير وقالوا بالقطع فيهما ، ونقل في ذلك وجه في مذهب الشافعي .

                                        والاستدلال بهذا الحديث على اعتبار النصاب ضعيف ، فإنه حكاية فعل ولا يلزم من القطع في هذا المقدار فعلا - عدم القطع فيما دونه نطقا .

                                        وأما المقدار : فإن الشافعي يرى أن النصاب ربع دينار لحديث عائشة الآتي يقوم ما عدا الذهب بالذهب ، وأبو حنيفة يقول : إن النصاب عشرة دراهم ، ويقوم ما عدا الفضة بالفضة ، ومالك يرى : أن النصاب ربع دينار من الذهب ، أو ثلاثة دراهم ، وكلاهما أصل ، ويقوم ما عداهما بالدرهم . وكلا الحديثين يدل على خلاف مذهب أبي حنيفة وأما هذا الحديث : فإن الشافعي بين أنه لا يخالف حديث عائشة وأن الدينار كان اثني عشر درهما وربعه ثلاثة دراهم ، أعني صرفه ، ولهذا قومت الدية باثني عشر ألفا من الورق ، وألف دينار من الذهب وهذا الحديث يستدل به لمذهب مالك في أن الفضة أصل في التقويم فإن المسروق لما كان غير الذهب والفضة ، وقوم بالفضة دون الذهب : دل على أنها [ ص: 630 ] أصل في التقويم وإلا كان الرجوع إلى الذهب - الذي هو الأصل - أولى وأوجب ، عند من يرى التقويم به . والحنفية في مثل هذا الحديث وفيمن روى في حديث عائشة " القطع في ربع دينار فصاعدا " يقولون - أو من قال منهم - في التأويل ما معناه : إن التقويم أمر ظني تخميني ، فيجوز أن تكون قيمته عند عائشة ربع دينار أو ثلاثة دراهم ، ويكون عند غيرها أكثر . وقد ضعف غيرهم هذا التأويل وشنعه عليهم بما معناه : إن عائشة لم تكن لتخبر بما يدل على مقدار ما يقطع فيه ، إلا عن تحقيق ، لعظم أمر القطع . و " المجن " بكسر الميم وفتح الجيم : الترس ، مفعل من معنى الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء ، وما يقارب ذلك ، ومنه " الجن " ، وكسرت ميمه ; لأنه آلة في الاجتنان ، كأن صاحبه يستتر به عما يحاذره . قال الشاعر :

                                        فكان مجني دون ما كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

                                        والقيمة والثمن : مختلفان في الحقيقة ، وتعتبر القيمة ، وما ورد في بعض الروايات من ذكر " الثمن " فلعله لتساويهما عند الناس في ذلك الوقت ، أو في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة ، وإلا فلو اختلفت القيمة والثمن الذي اشتراه به مالكه لم تعتبر إلا القيمة .




                                        الخدمات العلمية