الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 120 - 121 ] قال : ( ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب وقد اضطبع رداءه قبل ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط ) لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام استلم الحجر ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب فطاف سبعة أشواط }. ( والاضطباع أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على كتفه الأيسر ) [ ص: 122 ] وهو سنة ، وقد نقل ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام . قال : ( ويجعل طوافه من وراء الحطيم ) وهو اسم لموضع فيه الميزاب سمي به لأنه حطم من البيت : أي كسر ، وسمي حجرا لأنه حجر منه : أي منع وهو [ ص: 123 ] من البيت لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله عنها: فإن الحطيم من البيت ، فلهذا يجعل الطواف من ورائه حتى لو دخل الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز إلا أنه إذا استقبل الحطيم وحده لا تجزيه الصلاة ، لأن فرضية التوجه ثبتت بنص الكتاب ، فلا تتأدى بما ثبت بخبر الواحد احتياطا والاحتياط في الطواف أن يكون وراءه . قال : ( ويرمل في الثلاثة الأول من الأشواط ) والرمل أن يهز في مشيته [ ص: 124 ] الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين ، وذلك مع الاضطباع وكان سببه إظهار الجلد للمشركين حين قالوا : أضناهم حمى يثرب ، ثم بقي الحكم بعد زوال السبب في زمن النبي عليه السلام وبعده . [ ص: 125 ] قال : ( ويمشي في الباقي على هينته ) على ذلك اتفق رواة نسك رسول الله عليه السلام ( والرمل من الحجر إلى الحجر ) وهو المنقول من رمل النبي عليه السلام ( فإن زحمه الناس في الرمل قام ، فإذا وجد مسلكا رمل ) لأنه لا بدل له فيقف حتى يقيمه على وجه السنة بخلاف الاستلام لأن الاستقبال [ ص: 126 ] بدل له . قال : ( ويستلم الحجر كلما مر به إن استطاع ) لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة ، فكما يفتتح كل ركعة بالتكبير يفتتح كل شوط باستلام الحجر وإن لم يستطع الاستلام استقبل ، وكبر وهلل على ما ذكرنا ( ويستلم الركن اليماني ) وهو حسن في ظاهر الرواية ، وعن محمد رحمه الله أنه سنة [ ص: 127 ] ( ولا يستلم غيرهما ) فإن { النبي عليه الصلاة والسلام كان يستلم هذين الركنين ولا يستلم غيرهما }( ويختم الطواف بالاستلام ) يعني استلام الحجر . قال : ( ثم يأتي المقام فيصلي عنده ركعتين أو حيث تيسر من المسجد ) وهي واجبة ، عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله : سنة لانعدام دليل الوجوب . [ ص: 128 ] ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين }والأمر للوجوب ( ثم يعود إلى الحجر فيستلمه ) لما روي أن { النبي عليه الصلاة والسلام لما صلى ركعتين عاد إلى الحجر } ، والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام ، فكذا السعي يفتتح به بخلاف ما إذا لم يكن بعده سعي . [ ص: 129 - 132 ] قال : ( وهذا الطواف طواف القدوم ) ويسمى طواف التحية ( وهو سنة وليس بواجب ) وقال مالك رحمه الله : إنه واجب لقوله عليه الصلاة والسلام : { من أتى البيت فليحيه بالطواف }. ولنا أن الله تعالى أمر بالطواف والأمر المطلق لا يقتضي التكرار وقد تعين طواف الزيارة بالإجماع ، وفيما رواه سماه تحية وهو دليل الاستحباب ( وليس على أهل مكة طواف القدوم ) لانعدام القدوم في حقهم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع عشر : روي { أنه عليه السلام استلم الحجر ، ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب ، فطاف سبعة أشواط } ، قلت : أخرجه مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله ، قال : { لما قدم النبي عليه السلام مكة بدأ بالحجر الأسود ، فاستلمه ، ثم مضى على يمينه ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا }انتهى وعند البيهقي عن ابن مسعود أنه { بدأ فاستلم الحجر ، ثم أخذ عن يمينه ، فرمل ثلاثة أشواط ، ومشى أربعا ، ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين }.

                                                                                                        الحديث العشرون : قال المصنف : والاضطباع أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن ، ويلقيه على كتفه الأيسر ، وهو سنة ، وقد نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : أخرجه أبو داود في " سننه " عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ، فرملوا بالبيت ، وجعلوا أرديتهم [ ص: 122 ] تحت آباطهم ، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى }انتهى وسكت عنه المنذري بعده ، ثم قال المنذري : حديث حسن ، ورواه أحمد في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، وزاد فيه فاضطبعوا وجعلوا أرديتهم ، الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه يعلى بن أمية ، قال : { طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطبعا ببرد أخضر }انتهى . والترمذي أخرجه عن سفيان عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن ابن يعلى به ، وقال : حديث حسن صحيح ، انتهى . وبالإسنادين رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " .

                                                                                                        الحديث الحادي والعشرون : قال عليه السلام في حديث عائشة رضي الله عنها: { فإن الحطيم من البيت } ، قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم ، واللفظ لمسلم . قالت : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر ، أمن البيت هو ؟ قال : نعم ، قلت : فما لهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال : إن قومك قصرت بهم النفقة ، قلت : فما شأن بابه مرتفعا ، قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ، ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديث عهد بكفر ، وأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر بالبيت ، وأن ألزق بابه بالأرض } ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه أبو داود ، والترمذي عن علقمة عن أمه عن عائشة أنها قالت : { كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجرة ، فقال : صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت ، فإنما هو قطعة من البيت ، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة ، فأخرجوه من البيت }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، [ ص: 123 ] انتهى . وعلقمة هذا هو علقمة بن بلال مولى عائشة تابعي مدني ، احتج به البخاري ، ومسلم ، وأمه حكى البخاري ، وغيره أن اسمها مرجانة ، وروى الدارقطني في " غرائب " مالك ، والأزرقي في " تاريخ مكة " من حديث داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أبالي في الحجر صليت ، أو في البيت }انتهى . قال الدارقطني : رفعه وهم ، والصواب وقفه انتهى .

                                                                                                        وأخرج الحاكم في " المستدرك " عن طاوس عن ابن عباس ، قال : الحجر من البيت لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من ورائه }. قال الله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق }انتهى . وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني والعشرون : قال المصنف رحمه الله : ويرمل في الثلاثة الأول من الأشواط ، ويمشي فيما بقي على هينته ، على ذلك اتفق رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ، ومشى أربعا ، وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة ، وكان ابن عمر يفعل ذلك }انتهى . وأخرجاه [ ص: 124 ] أيضا عن الزهري أن سالما أخبره أن عبد الله بن عمر ، قال لي : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف حين يقدم يخب ثلاثة أطواف من السبع }انتهى .

                                                                                                        وأخرج أبو داود عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف ، ويمشي أربعا ، ثم يصلي سجدتين ويطوف بين الصفا والمروة } ، وفي حديث جابر الطويل : { حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا } ، الحديث . وفي لفظ عنه ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ، ثلاثة أطواف }انتهى .

                                                                                                        أخرجه مسلم أيضا . قوله : وكان سببه إظهار الجلد للمشركين ، حين قالوا : أضناهم حمى يثرب ، ثم بقي الحكم بعد زوال السبب في زمن النبي عليه السلام وبعده ، قلت : أخرج البخاري ، ومسلم عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة ، وقد وهنتهم حمى يثرب ، قال المشركون : إنه يقدم غدا عليكم قوم قد وهنتهم الحمى ، ولقوا منها شدة ، فجلسوا مما يلي الحجر ، وأمرهم النبي عليه السلام أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الركنين ، ليرى المشركون جلدهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هم أجلد من كذا وكذا }.

                                                                                                        قال ابن عباس : ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها ، إلا الإبقاء عليهم ، انتهى .

                                                                                                        وأخرج البخاري عن ابن عمر أن عمر ، قال : ما لنا وللرمل إنما كنا راءينا به المشركين ، وقد أهلكهم الله ، ثم قال : شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه ، مختصر . وأخرج مسلم عن عطاء عن ابن عباس ، قال : إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت ليري المشركين قوته ، [ ص: 125 ] انتهى .

                                                                                                        وأخرج أبو داود ، وابن ماجه عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : سمعت عمر يقول : فيم الرملان وكشف المناكب ، وقد أعز الله الإسلام ، ونفى الكفر وأهله ، ومع ذلك فلا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        وأخرجه أبو داود عن أبي الطفيل عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام اضطبع فاستلم وكبر ورمل ثلاثة أطواف ، كانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا عن قريش مشوا ، ثم يطلعون عليهم ، فيرملون ، تقول قريش : كأنهم الغزلان } ، قال ابن عباس : فكانت سنة انتهى .

                                                                                                        وأخرج البخاري ، ومسلم عن { أبي الطفيل ، قال : قلت لابن عباس : يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت ، وأن ذلك سنة ، قال : صدقوا وكذبوا ، قلت : ما صدقوا وكذبوا ؟ قال : صدقوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل ، وكذبوا ليس بسنة ، إنه لما قدم عليه السلام مكة ، قال المشركون : إن محمدا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال ، وكانوا يحسدونه ، قال : فأمرهم عليه السلام أن يرملوا ثلاثا ، ويمشوا أربعا } ، مختصر .

                                                                                                        الحديث الثالث والعشرون : قال المصنف رحمه الله : والرمل من الحجر إلى الحجر هو المنقول في رمل النبي عليه السلام ، قلت : روي من حديث ابن عمر ، ومن حديث جابر ، ومن حديث أبي الطفيل .

                                                                                                        أما حديث ابن عمر : فرواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : { رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ، ومشى أربعا }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لمسلم أن { ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر ، وذكر [ ص: 126 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث جابر : فأخرجه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بنحوه ، سواء ، ورواه مالك عن جعفر بن محمد به ، ومن طريقه مسلم ، ووهم شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره ، فعزاه للشيخين ، وقد ذكره الحميدي ، وعبد الحق في " كتابيهما " الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه ، وقال ابن تيمية في " المنتقى " : حديث متفق عليه ، وذكره خلف في " أطرافه " من مفردات مسلم ، وعزاه البيهقي في " المعرفة " لمسلم فقط ، وكذلك الشيخ في " الإمام " أعني حديث ابن عمر لا حديث جابر .

                                                                                                        وأما حديث أبي الطفيل : فرواه أحمد في " مسنده " حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا عبيد الله بن أبي زياد ، قال : سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة يقول : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثا من الحجر إلى الحجر }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } مرسل : رواه محمد بن الحسن الشيباني في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن { النبي عليه السلام رمل من الحجر إلى الحجر }انتهى .

                                                                                                        الحديث الرابع والعشرون : روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم غير الركنين اليمانيين } ، قلت : أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن سالم عن ابن عمر ، قال : { لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح في البيت إلا الركنين اليمانيين } ، انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لمسلم : { كان لا يستلم إلا [ ص: 127 ] الحجر والركن اليماني }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن أبي الطفيل عن ابن عباس ، قال : { لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين } ، واحتج ابن الجوزي في " التحقيق " لأبي حنيفة على القول بأن استلام الركن اليماني غير سنة ، بما رواه أحمد في " مسنده " حدثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني سليمان بن عتيق عن عبد الله بن باباه عن بعض بني يعلى بن أمية عن يعلى بن أمية ، قال : كنت مع عمر فاستلم الركن ، قال يعلى : وكنت مما يلي البيت ، فلما بلغت الركن الغربي الذي يلي الأسود مررت بين يديه لأستلم ، فقال لي : ما شأنك ؟ قلت : ألا نستلم هذين ؟ قال : ألم تطف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : نعم ، قال : أرأيته يستلم هذين الركنين يعني الغربيين ؟ ، قلت : لا ، قال : أفليس لك فيه أسوة ؟ قلت : بلى ، قال : فانفذ عنك انتهى . قال في " التنقيح " : وفي صحة هذا الحديث نظر انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث الخامس والعشرون : قال عليه السلام : { وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين } ، قلت : غريب ، وأخرج البخاري ، ومسلم عن نافع عن ابن عمر أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالحج والعمرة أول ما يقدم ، فإنه يسعى ثلاثة أطواف ، ويمشي أربعا ، ثم يصلي سجدتين }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البخاري عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر ، قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، ثم صلى خلف المقام ركعتين ، وطاف بين الصفا والمروة ، وقال : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } }انتهى . وقال أيضا في صحيحه : " باب صلاة النبي عليه السلام لكل أسبوع ركعتين " ، وقال إسماعيل بن أمية : قلت للزهري : إن عطاء يقول : تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف ، فقال : السنة أفضل ، { لم يطف النبي عليه السلام أسبوعا قط إلا صلى ركعتين }انتهى .

                                                                                                        وقال في موضع آخر : قال نافع : كان ابن عمر يصلي لكل أسبوع ركعتين ، [ ص: 128 ] انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق في " مصنفه " ، حدثنا عبد الوهاب ثنا منذر عن ابن جريج عن عطاء أن { النبي عليه السلام كان يصلي لكل أسبوع ركعتين }انتهى .

                                                                                                        وروى الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في " فوائده " حدثنا أحمد بن القاسم بن الفرج بن مهدي البغدادي ثنا أبو عبيد الله محمد بن عبدة القاضي ثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي ثنا عدي بن الفضل عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ، قال : { سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل أسبوع ركعتين }انتهى .

                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص بن غياث عن عمرو عن الحسن ، قال . { مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين ، لا يجزئ منهما تطوع ولا فريضة }انتهى .

                                                                                                        حدثنا يحيى بن سليمان عن إسماعيل بن أمية عن الزهري نحوه ، سواء . وهذه الأحاديث كلها أجنبية عن حديث الكتاب ، فإن المصنف استدل به للشافعي على وجوب ركعتي الطواف ، وعندنا هي سنة ، وليس في هذه الأحاديث ما يدل على وجوبها ، إلا أن يجعل قوله : { سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل أسبوع ركعتين } ، بمعنى أمر وأوجب ، كما ورد في حديث عائشة ، وقد { سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة } ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، أخرجاه في " الصحيحين " في حديث طويل .

                                                                                                        الحديث السادس والعشرون : روي أن { النبي عليه السلام لما صلى الركعتين عاد إلى الحجر فاستلمه } ، قلت : في " موطأ مالك " أنه بلغه أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى طوافه وركع الركعتين ، فأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج }انتهى . هو في حديث جابر الطويل ، ولنذكره برمته ، فإنه عمدة في مناسك الحج ، أخرجه مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : { دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي ، فقلت : أنا محمد بن علي بن الحسين ، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ، ثم نزع زري الأسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب ، فقال : مرحبا بك يا ابن أخي ، سل عما شئت . فسألته ، وهو أعمى ، [ ص: 129 ] وحضر وقت الصلاة ، فقام في نساجة ملتحفا بها ، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بيده ، فعقد تسعا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج ، فقدم المدينة بشر كثير ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، وأرسلت إلى النبي عليه السلام كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي ، واستثفري بثوب ، وأحرمي ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدى بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك . ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا . ثم تقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام ، فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول : ولا أعلم ذكره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين { قل هو الله أحد }و { قل يا أيها الكافرون } ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله }أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي رمل ، حتى إذا صعدتا مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة ، قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا ، أم [ ص: 130 ] لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد ، وقدم علي من اليمن ببدن النبي عليه السلام فوجد فاطمة رضي الله عنهاممن حل ، ولبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة ، للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : فإن معي الهدي فلا تحل ، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم بما أهل به علي رضي الله عنهم ن اليمن ، والذي أتى به النبي عليه السلام مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصروا ، إلا النبي عليه السلام ، ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فأمر بقبة من شعر ، فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، وقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة ، يرفعها إلى السماء ، وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم [ ص: 131 ] يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا ، حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس ، السكينة السكينة ، كلما أتى حبلا من الحبال ، أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء ، بأذان واحد ، وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح ، بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن العباس ، وكان رجلا حسن الشعر ، أبيض وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن . فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه ، إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل . فصرف وجهه من الشق الآخر ، ينظر حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها سبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ، ثم أعطى عليا ، فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منها }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني ، من القسم الخامس ، ورواه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبزار ، والدارمي ، في " مسانيدهم " قال ابن حبان : والحكمة في أن النبي عليه السلام نحر بيده ثلاثا وستين بدنة ، أنه كانت له يومئذ ثلاث وستون سنة ، فنحر لكل سنة من سنيه بدنة ، وأمر عليا بالباقي ، فنحرها ، والله أعلم انتهى . [ ص: 132 ]

                                                                                                        الحديث السابع والعشرون : قال عليه السلام : { من أتى البيت فليحيه بالطواف } ، قلت : غريب جدا .




                                                                                                        الخدمات العلمية