الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من انتشار حرمتها ، وتحريم بيعها ، فالكلام فيها مشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : فيما تصير به أم ولد .

                                                                                                                                            والثاني : في حكمها بعد كونها أم ولد .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول : فيما تصير به أم ولد ، فهو أن تضع من سيدها ما انعقد خلق الولد فيه ، وهو على خمسة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : وهو أكمل أحوالها أن تضع ولدا كاملا في خلقه ، وزمانه ذكرا أو أنثى أو خنثى ، فتصير به أم ولد ، سواء ثبتت حرمة الولد بالحياة أو لم تثبت له الحرمة بإلقائه ميتا ، ويتعلق بالولد إن وضعته حيا أربعة أحكام :

                                                                                                                                            [ ص: 311 ] الميراث ، ووجوب الدية ، والكفارة ، وتنقضي به العدة .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تضع عضوا من الولد كرأس أو يد ، أو رجل ، أو عين ، أو إصبع ، أو ظفر ، فتصير به أم ولد ، لأن العضو لا يكون إلا من جسد الولد ، فصار البعض منه دالا على وجوده ، فثبتت به حرمة الولادة ، ويتعلق به ثلاثة أحكام ، وجوب الغرة ، والكفارة ، وانقضاء العدة .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تضع جسدا فيه خلق جلي ، قد تصور في العيون لا يختلف فيه كل من شاهده من رجل وامرأة ، فتصير به أم ولد ، لانعقاده ولدا وتتعلق به الأحكام الثلاثة من وجوب الغرة والكفارة ، وانقضاء العدة .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن تضع جسدا فيه من تخطيط الخلق الخفي ما لا يعرفه إلا قوابل النساء ، وربما اختبرته بالماء الجاري فبان فإذا شهد أربع من عدول النساء أن فيه ابتداء لتخطيط الخلق ، ومبادئ أشكال الصور سمعت فيه شهادتان ، وصارت به أم ولد ، لانعقاده ولدا ، وإن لم يكمل وتتعلق به الأحكام الثلاثة من وجوب الغرة ، والكفارة ، وانقضاء العدة .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : أن تضع جسدا هو مضغة ليس فيه خلق جلي ، ولا خفي ، ولا تشكل له عضو ، ولا تخطط له صورة ، فظاهر ما قاله الشافعي هاهنا أنها تصير به أم ولد ، وقال في كتاب " العدد " ما يدل على انقضاء العدة به ، واختلف أصحابنا ، فمنهم من خرج ذلك على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : تصير به أم ولد ، وتنقضي به العدة لانعقاده جسدا ، فعلى هذا يتعلق به بعد مصيرها أم ولد ، الأحكام الثلاثة من وجوب الغرة ، والكفارة وانقضاء العدة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا تصير به أم ولد ، ولا تنقضي العدة به ولا يتعلق به حكم ، لأنه لم يصر ولدا ، ولا تثبت له حرمة .

                                                                                                                                            وقال آخرون من أصحابنا : تنقضي به العدة ، ولا تصير به أم ولد على الظاهر من قوله في الموضعين .

                                                                                                                                            والفرق بين أن تنقضي به العدة ، ولا تصير به أم ولد أن مقصود العدة استبراء ، وذلك موجود فيما وضعته ، والمقصود بكونها أم ولد انتشار حرمة الولد إليها ، ولا حرمة لما وضعته ، فعلى هذا لا يتعلق بما وضعته حكم سوى العدة ، ولا تجب فيه غرة ، ولا كفارة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية