الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل ابني الكرماني

وفي هذه السنة قتل أبو مسلم عليا وعثمان ابني الكرماني .

وكان سبب ذلك أن أبا مسلم كان وجه موسى بن كعب إلى أبيورد فافتتحها وكتب إلى أبي مسلم بذلك ، ووجه أبا داود إلى بلخ ، وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري ، فلما بلغه قصد أبي داود بلخا خرج في أهل بلخ وترمذ وغيرهما من كور طخارستان إلى الجوزجان ، فلما دنا أبو داود منهم انصرفوا منهزمين إلى ترمذ ، ودخل أبو داود مدينة بلخ ، فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه ، ووجه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء على بلخ ، فلما قدم يحيى مدينة بلخ كاتبه زياد بن عبد الرحمن أن يرجع وتصير أيديهم واحدة ، فأجابه ، فرجع زياد ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم الباهلي وعيسى بن زرعة السلمي وأهل بلخ وترمذ وملوك طخارستان وما وراء النهر ودونه فنزلوا على فرسخ من بلخ ، وخرج إليهم يحيى بن نعيم بمن معه ، فصارت كلمتهم واحدة مضر وربيعة واليمن ومن معهم من العجم على قتال المسودة ، وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل بن حيان النبطي كراهة أن يكون من واحد من الفرق الثلاثة .

وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود ، فأقبل بمن معه حتى اجتمعوا على نهر السرجنان ، وكان زياد وأصحابه قد وجهوا أبا سعيد القرشي مسلحة لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم ، وكانت أعلام أبي داود سودا ، فلما اقتتل أبو داود وزياد وأصحابهما أمر أبو سعيد أصحابه أن يأتوا زيادا وأصحابه ، فأتوهم من خلفهم ، فلما رأى زياد ومن معه أعلام أبي سعيد وراياته سودا ظنوه كمينا لأبي داود فانهزموا ، وتبعهم أبو داود ، فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان وقتل عامة رجالهم المتخلفين ، ونزل أبو داود معسكرهم وحوى ما فيه .

ومضى زياد ويحيى ومن معهما إلى ترمذ ، واستصفى أبو داود أموال من قتل ومن هرب واستقامت له بلخ .

وكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه ، ووجه النضر بن صبيح المري على بلخ . [ ص: 381 ] وقدم داود على أبي مسلم ، واتفقا على أن يفرقا بين علي وعثمان ابني الكرماني ، فبعث أبو مسلم عثمان عاملا على بلخ ، فلما قدمها استخلف الفرافصة بن ظهير العبسي على بلخ .

وأقبلت المضرية من ترمذ عليهم مسلم بن عبد الرحمن الباهلي ، فالتقوا هم وأصحاب عثمان ( فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أصحاب عثمان ) ، وغلب مسلم على بلخ ، وبلغ عثمان والنضر بن صبيح الخبر وهما بمرو الروذ ، فأقبلا نحوهم ، فهرب أصحاب عبد الرحمن من ليلتهم ، فلم يمعن النضر في طلبهم رجاء أن يفوتوا ، ولقيهم أصحاب عثمان فاقتتلوا قتالا شديدا ، ولم يكن النضر معهم ، فانهزم أصحاب عثمان وقتل منهم خلق كثير . ورجع أبو داود ( من مرو إلى بلخ ، وسار أبو مسلم ومعه علي بن الكرماني إلى نيسابور ، واتفق رأي أبي مسلم ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم عليا ، ويقتل أبو داود عثمان ، فلما قدم أبو داود ) بلخا بعث عثمان عاملا على الجبل فيمن معه من أهل مرو ، فلما خرج من بلخ تبعه أبو داود فأخذه وأصحابه فحبسهم جميعا ، ثم ضرب أعناقهم صبرا ، وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بن الكرماني ، وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمي له خاصته ليوليهم ويأمر لهم بجوائز وكسوات ، فسماهم له ، فقتلهم جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية