الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة العاشرة إعمال الكلام أولى من إهماله

                من فروعه : ما لو أوصى بطبل ، وله طبل لهو ، وطبل حرب صح ، وحمل على الجائز ، نص عليه .

                وألحق به القاضي حسين : ما لو كان له زق خمر ، وزق خل ، فأوصى بأحدهما صح ، وحمل على الخل .

                ومنها : لو قال لزوجته وحمار : أحدكما طالق ، فإنها تطلق ، بخلاف ما لو قال ذلك لها ، ولأجنبية . وقصد الأجنبية . يقبل في الأصح . لكون الأجنبية من حيث الجملة قابلة .

                ومنها : لو وقف على أولاده ، وليس له إلا أولاد أولاد . حمل عليهم . كما جزم به الرافعي . لتعذر الحقيقة . وصونا للفظ عن الإهمال .

                ونظيره : ما لو قال : زوجاتي طوالق . وليس له إلا رجعيات طلقن قطعا ، وإن كان في دخول الرجعية في ذلك مع الزوجات خلاف .

                [ ص: 129 ] ومنها : قال لزوجته : إن دخلت الدار أنت طالق ، بحذف الفاء ، فإن الطلاق لا يقع قبل الدخول . صونا للفظ عن الإهمال .

                وقال محمد بن الحسن ، صاحب أبي حنيفة : يقع ، لعدم صلاحية اللفظ للجزاء ، بسبب عدم الفاء ، فحمل على الاستئناف . ونقل الرافعي : عدم الوقوع عن جماعة ، ثم نقل عن البوشنجي : أنه يسأل ، فإن قال : أردت التنجيز ، حكم به .

                قال الإسنوي : وما قاله البوشنجي لا إشكال فيه ، إلا أنه يشعر بوجوب سؤاله . ومنها : قال لزوجته في مصر : أنت طالق في مكة ، ففي الرافعي ، عن البويطي : أنها تطلق في الحال ، وتبعه في الروضة .

                قال الإسنوي : وسببه : أن المطلقة في بلد مطلقة في باقي البلاد .

                قال : لكن رأيت في طبقات العبادي ، عن البويطي : أنها لا تطلق ، حتى تدخل مكة .

                قال : وهو متجه ، فإن حمل الكلام على فائدة أولى من إلغائه .

                قال : وقد ذكر الرافعي قبل ذلك بقليل ، عن إسماعيل البوشنجي مثله ، وأقره عليه . ومنها : وقع في فتاوى السبكي : أن رجلا وقف عليه ، ثم على أولاده ، ثم على أولادهم ونسله ، وعقبه ، ذكرا وأنثى { للذكر مثل حظ الأنثيين } على أن من توفي منهم عن ولد أو نسل ، عاد ما كان جاريا عليه من ذلك على ولده ، ثم على ولد ولده ، ثم على نسله على الفريضة ، وعلى أن من توفي من غير نسل ، عاد ما كان جاريا عليه ; على من في درجته من أهل الوقف المذكور ، يقدم الأقرب إليه فالأقرب ، ويستوي الأخ الشقيق والأخ من الأب .

                ومن مات من أهل الوقف قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف ، وترك ولدا ، أو أسفل منه استحق ما كان يستحقه المتوفى ، لو بقي حيا إلى أن يصير إليه شيء من منافع الوقف المذكور ، وقام في الاستحقاق مقام المتوفى ، فإذا انقرضوا ، فعلى الفقراء .

                وتوفي الموقوف عليه وانتقل الوقف . إلى ولديه : أحمد ، وعبد القادر ، ثم توفي عبد القادر ، وترك ثلاثة أولاد ، هم علي ، وعمر ولطيفة ، وولدي ابنه محمد ، المتوفى في حياة والده . وهما : عبد الرحمن ، وملكة ، ثم توفي عمر عن غير نسل ، ثم توفيت لطيفة ، وتركت بنتا . تسمى فاطمة ، ثم توفي علي وترك بنتا تسمى : زينب ، ثم توفيت فاطمة بنت لطيفة من غير نسل ، فإلى من ينتقل نصيب فاطمة المذكورة ؟ فأجاب : الذي يظهر لي الآن أن نصيب عبد القادر جميعه ، يقسم هذا الوقف على ستين جزءا لعبد الرحمن منه : اثنان وعشرون ; ولملكة : أحد عشر ولزينب :

                [ ص: 130 ] سبعة وعشرون ، ولا يستمر هذا الحكم في أعقابهما ، بل كل وقت بحسبه .

                قال : وبيان ذلك : أن عبد القادر لما توفي انتقل نصيبه إلى أولاده الثلاثة وهم : عمر وعلي ولطيفة : { للذكر مثل حظ الأنثيين } : لعلي : خمساه ، ولعمر : خمساه ، وللطيفة خمسه ، هذا هو الظاهر عندنا .

                ويحتمل أن يقال : يشاركهم عبد الرحمن ، وملكة " ولدا محمد المتوفى في حياة أبيه ، ونزلا منزلة أبيهما " فيكون لهما : السبعان . ولعلي : السبعان . ولعمر السبعان ، وللطيفة سبع .

                وهذا وإن كان محتملا ، فهو مرجوح عندنا ; لأن الممكن في مأخذه ثلاثة أمور : أحدها : أن مقصود الواقف : أن لا يحرم أحد من ذريته ، وهذا ضعيف لأن المقاصد إذا لم يدل عليها اللفظ ، لا يعتبر .

                الثاني : إدخالهم في الحكم ، وجعل الترتيب بين كل أصل وفرعه ، لا بين الطبقتين جميعا . وهذا محتمل ، لكنه خلاف الظاهر .

                وقد كنت ملت إليه مرة في وقف ، للفظ اقتضاه فيه ، لست أعمه في كل ترتيب .

                الثالث : الاستناد إلى قول الواقف " إن مات من أهل الوقف قبل استحقاقه لشيء ، قام ولده مقامه " وهذا أقوى . لكنه إنما يتم لو صدق على المتوفى في حياة والده : أنه من أهل الوقف .

                وهذه مسألة كان قد وقع مثلها في الشام قبل التسعين وستمائة ، وطلبوا فيها نقلا . فلم يجدوه ، فأرسلوا إلى الديار المصرية يسألون عنها .

                ولا أدري ما أجابوهم . لكني رأيت بعد ذلك في كلام الأصحاب : فيما إذا وقف على أولاده . على أن من مات منهم انتقل نصيبه إلى أولاده . ومن مات ، ولا ولد له ، انتقل إلى الباقين من أهل الوقف ، فمات واحد عن ولد انتقل نصيبه إليه ، فإذا مات آخر عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه ، وابن أخيه ; لأنه صار من أهل الوقف .

                فهذا التعليل يقتضي : أنه إنما صار من أهل الوقف بعد موت والده فيقتضي أن ابن عبد القادر ، المتوفى في حياة والده ، ليس من أهل الوقف ، وأنه إنما يصدق عليه اسم أهل الوقف ، إذا آل إليه الاستحقاق .

                قال : ومما يتنبه له أن بين " أهل الوقف " و " الموقوف عليه " عموما وخصوصا من وجه ، فإذا وقف مثلا على زيد ، ثم عمرو ، ثم أولاده ، فعمرو موقوف عليه في حياة زيد لأنه معين قصده الواقف بخصوصه . وسماه وعينه . وليس من أهل الوقف ، حتى يوجد شرط استحقاقه ، وهو موت زيد . وأولاده إذا آل إليهم الاستحقاق : كل واحد منهم من أهل الوقف ، ولا يقال في كل واحد منهم : إنه موقوف عليه بخصوصه ; لأنه لم [ ص: 131 ] يعينه الواقف ، وإنما الموقوف عليه : جهة الأولاد ، كالفقراء .

                قال : فتبين بذلك أن ابن عبد القادر ، والد عبد الرحمن ، لم يكن من أهل الوقف أصلا ; ولا موقوفا عليه ، لأن الواقف لم ينص على اسمه .

                قال : وقد يقال : إن المتوفى في حياة أبيه يستحق أنه لو مات أبوه جرى عليه الوقف فينتقل هذا الاستحقاق إلى أولاده .

                قال : وهذا قد كنت في وقت أبحته ، ثم رجعت عنه .

                فإن قلت : قد قال الواقف " إن من مات من أهل الوقف قبل استحقاقه لشيء " فقد سماه من أهل الوقف ، مع عدم استحقاقه ، فيدل على أنه أطلق " أهل الوقف " على من لم يصل إليه الوقف ، فيدخل محمد والد عبد الرحمن ، وملكة في ذلك ، فيستحقان . ونحن إنما نرجع في الأوقاف إلى ما يدل عليه لفظ واقفها ، سواء وافق ذلك عرف الفقهاء أم لا .

                قلت : لا نسلم مخالفة ذلك لما قلناه . أما أولا فلأنه لم يقل " قبل استحقاقه " وإنما قال قبل استحقاقه لشيء ، فيجوز أن يكون قد استحق شيئا صار به من أهل الوقف ، ويترقب استحقاقا من آخر فيموت قبله ، فنص الواقف على أن ولده يقوم مقامه في ذلك الشيء الذي لم يصل إليه .

                ولو سلمنا أنه قال : " قبل استحقاقه " فيحتمل أن يقال : إن الموقوف عليه ، أو البطن الذي بعده ، وإن وصل إليه الاستحقاق . أعني أنه صار من أهل الوقف : قد يتأخر استحقاقه ، إما لأنه مشروط بمدة : كقوله : في كل سنة كذا ، فيموت في أثنائها أو ما أشبه ذلك فيصح أن يقال : إن هذا من أهل الوقف ، وإلى الآن ما استحق من الغلة شيئا . إما لعدمها ، أو لعدم شرط الاستحقاق ، بمضي زمان ، أو غيره ، فهذا حكم الوقف بعد موت عبد القادر

                فلما توفي عمر عن غير نسل انتقل نصيبه إلى أخويه ، عملا بشرط الواقف لمن في درجته فيصير نصيب عبد القادر كله بينهما أثلاثا لعلي : الثلثان ، وللطيفة : الثلث ويستمر حرمان عبد الرحمن وملكة .

                فلما ماتت لطيفة انتقل نصيبها ، وهو : الثلث إلى بنتها . ولم ينتقل لعبد الرحمن ، وملكة شيء ، لوجود أولاد عبد القادر ، وهم يحجبونهم ; لأنهم أولاده . وقد قدمهم على أولاد الأولاد ، الذين هم منهم .

                فلما توفي علي بن عبد القادر . وخلف بنته زينب . احتمل أن يقال : نصيبه كله ، وهو : ثلثا نصيب عبد القادر لها . عملا بقول الواقف : " من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه لولده " . وتبقى هي وبنت عمتها مستوعبتين لنصيب جدهما . لزينب : ثلثاه . ولفاطمة " ثلثه .

                [ ص: 132 ] واحتمل أن يقال : إن نصيب عبد القادر كله يقسم الآن على أولاده ، عملا بقول الواقف : " ثم على أولاده ثم على أولاد أولاده " فقد أثبت لجميع أولاد الأولاد استحقاقا بعد الأولاد . وإنما حجبنا عبد الرحمن وملكة ، وهما من أولاد الأولاد : بالأولاد ، فإذا انقرض الأولاد زال الحجب ، فيستحقان . ويقسم نصيب عبد القادر بين جميع أولاد أولاده ، فلا يحصل لزينب جميع نصيب أبيها . وينقص ما كان بيد فاطمة ، بنت لطيفة وهذا أمر اقتضاه النزول الحادث بانقراض طبقة الأولاد " المستفاد من شرط الواقف : أن أولاد الأولاد بعدهم .

                ولا شك أن فيه مخالفة لظاهر قوله " إن من مات فنصيبه لولده " فإن ظاهره يقتضي أن نصيب علي لبنته زينب . واستمرار نصيب لطيفة لبنتها فاطمة ، فخالفناه بهذا العمل فيهما جميعا ، ولو لم نخالف ذلك ، لزمنا مخالفة قول الواقف : " إن بعد الأولاد يكون لأولاد الأولاد " ، وظاهره يشمل الجميع .

                فهذان الظاهران تعارضا ، وهو تعارض قوي صعب . ليس في هذا الوقف محز أصعب منه . وليس الترجيح فيه بالهين بل هو محل نظر الفقيه . وخطر لي فيه طرق :

                منها : أن الشرط المقتضي لاستحقاق أولاد الأولاد جميعهم متقدم في كلام الواقف ، والشرط المقتضي لإخراجهم بقوله " من مات انتقل نصيبه لولده " متأخر ، فالعمل بالمتقدم أولى ; لأن هذا ليس من باب النسخ ، حتى يقال : العمل بالمتأخر أولى .

                ومنها ; أن ترتيب الطبقات أصل ، وذكر انتقال نصيب الوالد إلى ولده فرع وتفصيل لذلك الأصل ، فكان التمسك بالأصل أولى .

                ومنها : أن " من " صيغة عامة ، فقوله " من مات وله ولد " صالح لكل فرد منهم ، ولمجموعهم ، وإذا أريد مجموعهم ، كان انتقال نصيب مجموعهم إلى مجموع الأولاد من مقتضيات هذا الشرط ، فكان إعمالا له من وجه ، مع إعمال الأول ، وإن لم نعمل بذلك كان إلغاء للأول من كل وجه وهو مرجوح .

                ومنها : إذا تعارض الأمر بين إعطاء بعض الذرية وحرمانهم ، تعارضا لا ترجيح فيه فالإعطاء أولى ; لأنه لا شك أقرب إلى غرض الواقفين .

                ومنها : أن استحقاق زينب لأقل الأمرين وهو الذي يخصها إذا شرك بينها وبين بقية أولاد الأولاد : محقق . وكذا فاطمة ، والزائد على المحقق في حقها : مشكوك فيه ، ومشكوك في استحقاق عبد الرحمن ، وملكة له ، فإذا لم يحصل ترجيح في التعارض بين اللفظين ، يقسم بينهم ، فيقسم بين عبد الرحمن ، وملكة ، وزينب . وفاطمة .

                وهل يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون لعبد الرحمن : خمساه . ولكل من الإناث : خمسه ، نظرا إليهم ، دون أصولهم ، أو ينظر إلى أصولهم ، فينزلون منزلتهم [ ص: 133 ] لو كانوا موجودين ، فيكون لفاطمة : خمسه ، ولزينب : خمساه ، ولعبد الرحمن وملكة خمساه ؟ فيه احتمال .

                وأنا إلى الثاني أميل . حتى لا يفضل فخذ على فخذ في المقدار ، بعد ثبوت الاستحقاق .

                فلما توفيت فاطمة من غير نسل ، والباقون من أهل الوقف : زينب بنت خالها ، وعبد الرحمن وملكة ، ولدا عمها ، وكلهم في درجتها . وجب قسم نصيبها بينهم ، لعبد الرحمن : نصفه ، ولملكة : ربعه ، ولزينب : ربعه .

                ولا نقول هنا : ننظر إلى أصولهم ; لأن الانتقال من مساويهم ، ومن هو في درجتهم فكان اعتبارهم بأنفسهم أولى . فاجتمع لعبد الرحمن ، وملكة : الخمسان ، حصلا لهما بموت علي . ونصف وربع الخمس ، الذي لفاطمة ، بينهما بالفريضة ، فلعبد الرحمن خمس ، ونصف خمس ، وثلث خمس . ولملكة : ثلثا خمس وربع خمس . واجتمع لزينب : الخمسان بموت والدها ، وربع خمس فاطمة ، فاحتجنا إلى عدد يكون له خمس . ولخمسه ثلث وربع . وهو ستون ، فقسمنا نصيب عبد القادر عليه . لزينب خمساه وربع خمسه . وهو سبعة وعشرون ولعبد الرحمن : اثنان وعشرون . وهي خمس ونصف خمس وثلث خمس . ولملكة : إحدى عشر وهي ثلثا خمس وربع خمس .

                فهذا ما ظهر لي ، ولا أشتهي أحدا من الفقهاء يقلدني . بل ينظر لنفسه ، انتهى كلام السبكي

                قلت : الذي يظهر لي اختياره أولا ، دخول عبد الرحمن وملكة ، بعد موت عبد القادر عملا بقوله " ومن مات من أهل الوقف إلخ " .

                وما ذكره السبكي : من أنه لا يطلق عليه أنه من أهل الوقف : ممنوع . وما ذكره في تأويل قوله " قبل استحقاقه " خلاف الظاهر من اللفظ . وخلاف المتبادر إلى الأفهام .

                بل صريح كلام الواقف : أنه أراد بأهل الوقف : الذي مات قبل استحقاقه ، لا الذي لم يدخل في الاستحقاق بالكلية . ولكنه بصدد أن يصل إليه . وقوله " لشيء من منافع الوقف " دليل قوي لذلك ، فإنه نكرة في سياق الشرط . وفي سياق كلام معناه النفي ، فيعم ; لأن المعنى لم يستحق شيئا من منافع الوقف . وهذا صريح في رد التأويل الذي قاله .

                ويؤيده أيضا ، قوله : " استحق ما كان يستحقه المتوفى ، لو بقي حيا إلى أن يصير إليه شيء من منافع الوقف " فهذه الألفاظ كلها صريحة في أنه مات قبل الاستحقاق .

                وأيضا : لو كان المراد ما قاله السبكي ، لاستغني عنه بقوله أولا " على أن من مات عن [ ص: 134 ] ولد عاد ما كان جاريا عليه على ولده " فإنه يغني عنه ولا ينافي هذا اشتراطه الترتيب في الطبقات بثم ; لأن ذاك عام ، خصصه هذا . كما خصصه أيضا قوله " على أن من مات عن ولد " إلى آخره .

                وأيضا : فإنا إذا عملنا بعموم اشتراط الترتيب لزم منه إلغاء هذا الكلام بالكلية . وأن لا يعمل في صورة ; لأنه على هذا التقدير : إنما استحق عبد الرحمن وملكة لما استووا في الدرجة ، أخذا من قوله " عاد على من في درجته " فبقي قوله " ومن مات قبل استحقاقه إلخ " مهملا لا يظهر أثره في صورة . بخلاف ما إذا أعملناه ، وخصصنا به عموم الترتيب ، فإن فيه إعمالا للكلامين ، وجمعا بينهما وهذا أمر ينبغي أن يقطع به .

                وحينئذ ، فنقول : لما مات عبد القادر قسم نصيبه بين أولاده الثلاثة ، وولدي ولده أسباعا : لعبد الرحمن وملكة : السبعان أثلاثا ، فلما مات عمر ، عن غير نسل ، انتقل نصيبه إلى أخويه وولدي أخيه ، فيصير نصيب عبد القادر كلهم بينهم . لعلي : خمسان وللطيفة : خمس ، ولعبد الرحمن ، وملكة خمسان ، أثلاثا . ولما توفيت لطيفة انتقل نصيبها بكماله لبنتها فاطمة ولما مات علي انتقل نصيبه بكماله لبنته زينب ولما توفيت فاطمة بنت لطيفة والباقون في درجتها زينب وعبد الرحمن وملكة . قسم نصيبها بينهم " للذكر مثل حظ الأنثيين " اعتبارا بهم ، لا بأصولهم . لما ذكر السبكي : لعبد الرحمن : نصف ولكل بنت ربع ، فاجتمع لعبد الرحمن بموت عمر : خمس وثلث ، وبموت فاطمة : نصف خمس . ولملكة ، بموت عمر : ثلثا خمس ، وبموت فاطمة : ربع خمس . ولزينب بموت علي : خمسان ، وبموت فاطمة : ربع خمس ، فيقسم نصيب عبد القادر ستين جزءا . لزينب : سبعة وعشرون ، وهي خمسان وربع خمس ، ولعبد الرحمن : اثنان وعشرون ، وهي خمس ونصف وثلث . ولملكة : أحد عشر ، وهي ثلثا خمس وربع .

                فصحت مما قاله السبكي ، لكن الفرق تقدم استحقاق عبد الرحمن ، وملكة . والجزم حينئذ بصحة هذه القسمة ، والسبكي تردد فيها ، وجعلها من باب قسمة المشكوك في استحقاقه ونحن لا نتردد في ذلك .

                وسئل السبكي أيضا : عن رجل وقف على حمزة ، ثم أولاده ، ثم أولادهم وشرط أن من مات من أولاده انتقل نصيبه للمستحقين من إخوته ومن مات قبل استحقاقه . لشيء من منافع الوقف ، وله ولد ، استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى ، لو كان حيا .

                فمات حمزة ، وخلف ولدين ، وهما عماد الدين ، وخديجة . وولد ولد ، مات أبوه في حياة والده ، وهو : نجم الدين بن مؤيد الدين بن حمزة ، فأخذ الوالدان نصيبهما ، وولد الولد : النصيب الذي لو كان أبوه حيا لأخذه ، ثم ماتت خديجة ، فهل يختص أخوها بالباقي ، أو يشاركه ولد أخيه نجم الدين ؟

                [ ص: 135 ] فأجاب : تعارض فيه اللفظان ، فيحتمل المشاركة . ولكن الأرجح اختصاص الأخ ويرجحه : أن التنصيص على الإخوة وعلى المستحقين منهم : كالخاص . وقوله : " ومن مات قبل الاستحقاق " كالعام فيقدم الخاص على العام .

                تنبيه :

                قال السبكي ، وولده : محل هذه القاعدة : أن يستوي الإعمال والإهمال بالنسبة إلى الكلام . أما إذا بعد الإعمال عن اللفظ ، وصار بالنسبة إليه كاللغز فلا يصير راجحا ومن ثم : لو أوصى بعود من عيدانه : وله عيدان لهو ، وعيدان قسي ، وبناء . فالأصح بطلان الوصية ، تنزيلا على عيدان اللهو ; لأن اسم العود عند الإطلاق له . واستعماله في غيره مرجوح وليس كالطبل لوقوعه على الجميع وقوعا واحدا . كذا فرق الأصحاب بين المسألتين .

                ولو قال : زوجتك فاطمة ، ولم يقل : بنتي : لم يصح على الأصح . لكثرة الفواطم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية