الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 353 ] الثانية : تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة ، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم ، وشاع الثناء عليه بها كفى فيها ، كمالك ، والسفيانين والأوزاعي والشافعي ، وأحمد وأشباههم ، وتوسع ابن عبد البر فيه فقال : كل حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه ، وقوله هذا غير مرض .

        التالي السابق


        ( والثانية : تثبت العدالة ) للراوي ( بتنصيص عدلين عليها ) ، وعبارة ابن [ ص: 354 ] الصلاح معدلين ، وعدل عنه لما سيأتي : أن التعديل إنما يقبل من عالم . ( أو بالاستفاضة ) ، والشهرة .

        ( فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم ) من أهل الحديث ، أو غيرهم ، ( وشاع الثناء عليه بها ، كفى فيها ) أي في عدالته ، ولا يحتاج مع ذلك إلى معدل ينص عليها ، ( كمالك ، والسفيانين ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ) بن حنبل ، ( وأشباههم ) .

        قال ابن الصلاح : هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي ، وعليه الاعتماد في أصول الفقه .

        وممن ذكره من أهل الحديث الخطيب ، ومثله بمن ذكر وضم إليهم الليث ، وشعبة ، وابن المبارك ، ووكيعا ، وابن معين ، وابن المديني ، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر ، واستقامة الأمر ، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء ، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره .

        وقد سئل ابن حنبل ، عن إسحاق ابن راهويه ، فقال : مثل إسحاق يسأل عنه ؟

        [ ص: 355 ] وسئل ابن معين ، عن أبى عبيد ، فقال : مثلي يسأل عن أبي عبيد ؟ أبو عبيد يسأل عن الناس .

        وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة ، والرضى ، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا ، ومجوزا فيهما العدالة وغيرها .

        قال : والدليل على ذلك أن العلم بظهور سيرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد ، واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة .

        ( وتوسع ) الحافظ أبو عمر ( ابن عبد البر فيه ، فقال : كل حامل علم معروف العناية به ) ، فهو عدل ( محمول ) في أمره ( أبدا على العدالة ، حتى يتبين جرحه ) .

        ووافق على ذلك ابن المواق من المتأخرين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " . رواه من طريق العقيلي من رواية معان بن رفاعة السلامي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ، مرفوعا .

        [ ص: 356 ] ( وقوله هذا غير مرضي ) ، والحديث من الطريق الذي أورده مرسل ، أو معضل .

        وإبراهيم الذي أرسله قال فيه ابن القطان : لا نعرفه ألبتة .

        ومعان أيضا ضعفه ابن معين ، وأبو حاتم ، وابن حبان ، وابن عدي ، والجوزجاني ، نعم وثقه ابن المديني وأحمد .

        وفي كتاب " العلل " للخلال أن أحمد سئل عن هذا الحديث ، فقيل له : كأنه موضوع ؟ فقال : لا ، هو صحيح ، فقيل له : ممن سمعته ؟ فقال : من غير واحد ، قيل : من هم ؟ قال : حدثني به ابن مسكين ، إلا أنه يقول : ، عن معان ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، ومعان لا بأس به . انتهى .

        قال ابن القطان : وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره .

        [ ص: 357 ] قال العراقي : وقد ورد هذا الحديث متصلا من رواية علي ، وابن عمر ، وابن عمرو وجابر بن سمرة ، وأبي أمامة ، وأبي هريرة ، وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء ، وليس فيها شيء يقوي المرسل .

        قال ابن عدي : ورواه الثقات ، عن الوليد بن مسلم ، عن إبراهيم العذري ، ثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره .

        ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا ، ولا يصح حمله على الخبر ; لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر ، ومعناه أنه أمر للثقات بحمل العلم ; لأن العلم إنما يقبل عنهم .

        والدليل على ذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم : ليحمل هذا العلم ، بلام الأمر .

        وذكر ابن الصلاح في فوائد رحلته ، أن بعضهم ضبطه - بضم الياء ، وفتح الميم - مبنيا للمفعول ، ورفع ميم العلم - وفتح العين واللام - من " عدولة " ، وآخره تاء فوقية ، فعولة بمعنى فاعل ، أي كامل في عدالته ، أي أن الخلف هو العدولة ، والمعنى إن هذا العلم يحمل ، أي يؤخذ ، عن كل خلف عدل ، فهو أمر بأخذ العلم عن العدول ، والمعروف في ضبطه فتح ياء يحمل مبنيا للفاعل ، ونصب " العلم " مفعوله ، والفاعل عدوله جمع عدل .




        الخدمات العلمية