الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) رابعها ( طهارة الحدث ) الأصغر وغيره عند قدرته فإن عجز فقد مر في التيمم فلو لم يكن متطهرا عند إحرامه مع قدرته على الطهارة لم تنعقد صلاته ، وإن أحرم متطهرا ثم أحدث نظر ( فإن سبقه ) حدثه غير الدائم ( بطلت ) صلاته كما لو تعمد الحدث لبطلانها بالإجماع ، وشمل ذلك فاقد الطهورين إذا سبقه الحدث فتبطل صلاته كما هو ظاهر كلام الأصحاب خلافا للإسنوي ( وفي القديم ) ونسب للجديد لا تبطل صلاته بل يتطهر و ( يبني ) على صلاته لعذره ، وإن كان حدثه أكبر لحديث فيه ضعف باتفاق المحدثين ، ومعنى البناء أن يعود إلى الركن الذي سبقه الحدث فيه ، ويجب تقليل الزمان والأفعال قدر الإمكان ، ولا يجب عليه البدار الخارج عن العادة ، فلو كان للمسجد بابان فسلك الأبعد بطلت صلاته ، وليس له بعد طهارته عود إلى موضعه الذي كان يصلي فيه ما لم يكن إماما لم يستخلف أو مأموما يبغي فضيلة الجماعة ، كذا نقله الرافعي عن التتمة وأقره وجزم به في الروضة ، لكن في التحقيق أن الجماعة عذر مطلقا ، فيدخل فيه المنفرد والإمام المستخلف .

                                                                                                                            أما حدثه الدائم كسلس بول فغير ضار على ما مر في الحيض ، وإن أحدث مختارا بطلت صلاته قطعا علم كونه في الصلاة أم كان ناسيا . ولو نسي الحدث فصلى أثيب على قصده دون فعله إلا القراءة ونحوها مما لا يتوقف على الوضوء فيثاب على فعله أيضا . قال ابن عبد السلام : وفي إثابته على القراءة إذا كان جنبا نظر ، والأقرب كما يؤخذ مما مر عدم إثابته ( ويجريان ) أي القولان ( في كل مناقض ) أي مناف للصلاة ( عرض ) فيها ( بلا تقصير ) من [ ص: 15 ] المصلي ( وتعذر دفعه في الحال ) كما لو تنجس بدنه أو ثوبه واحتاج إلى الغسل أو طيرت الريح ثوبه إلى مكان بعيد ( فإن أمكن ) دفعه في الحال ( بأن كشفته ريح فستر في الحال لم تبطل ) صلاته لانتفاء المحذور ، وكذا لو سقط على ثوبه نجاسة رطبة فألقى الثوب حالا أو يابسة فسقطت في الحال ، ولا يجوز له أن ينحيها بيده أو كمه أو بعود على أصح الوجهين ، فإن فعل بطلت صلاته

                                                                                                                            ( وإن قصر ) في دفعه ( بأن فرغت مدة خف فيها ) أي الصلاة ( بطلت ) قطعا لتقصيره مع احتياجه إلى غسل رجليه أو الوضوء باتفاق القولين ، حتى لو غسل في الخف رجليه قبل فراغ المدة لم يؤثر ، إذ مسح الخف يرفع الحدث فلا تأثير للغسل قبل فراغ المدة ، ومثله غسلهما بعدها لمضي مدة ، وهو [ ص: 16 ] محدث على أنه لو وضع في الماء رجليه قبل فراغها واستمر إلى انقضائها لم تصح صلاته ; لأنه لا بد من حدث ثم يرتفع ، وأيضا لا بد من تجديد نية ; لأنه حدث لم تشمله نية وضوئه الأول ، وهذا ظاهر حيث دخل فيها ظانا البقاء ، فإن قطع بانقضاء المدة فيها اتجه كما قاله السبكي عدم انعقادها ، وفارق ما تقدم فيما لو كانت عورته تنكشف في ركوعه حيث حكم بانعقادها على الصحيح بعدم قطعه ثم بالبطلان ، بل صحتها ممكنة بأن يسترها بشيء عند ركوعه ، بخلافه هنا إذ كيف يقال بانعقادها مع القطع بعدم استمرار صحتها وكيف يتحقق نيتها . نعم إن كان في نفل مطلق يدرك منه ركعة فأكثر انعقدت ، ولو افتصد مثلا فخرج دمه ، ولم يلوث بشرته أو لوثها قليلا لم تبطل .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : مع قدرته ) خرج به فاقد الطهورين فإن صلاته تنعقد ( قوله : فإن سبقه ) أي المصلي لا بقيد كونه متطهرا ، ومثله : أي مثل رجوع الضمير للمقيد بدون قيده بقرينة كثير في كلامهم إذا قامت على ذلك قرينة ، والقرينة هنا بطلان صلاته كما هو ظاهر كلام الأصحاب ، فصح قول الشارح وشمل ذلك إلخ ( قوله : وشمل ذلك ) في دعوى الشمول بعد تقييده الإحرام بكونه متطهرا نظر ، وعليه فكان الأولى ترك التقييد أو يقيد ثم يقول ولو كان فاقدا إلخ ( قوله : أن يعود إلى الركن الذي سبقه الحدث فيه ) قضيته أنه لو أحدث في التشهد الأول أو جلوس الاستراحة لم يجب عليه العود له ، وينبغي خلافه وأنه يجب العود إليه ليقوم منه ; لأن قيامه مع الحدث لا يعتد به ، وظاهر قول المحلي عقب قول المصنف يبني بعد الطهارة على ما فعله منها يشعر به ; لأنه لم يقيد بركن ولا بغيره .

                                                                                                                            ( قوله : فلو كان للمسجد ) لو عبر بالواو كان أولى ; لأنه لا يتفرع عما قبله ( قوله : والأقرب ) من كلام الشارح ( قوله : عدم إثابته ) قال سم على حج : قوله : إلا من نحو جنب إلخ يفيد أنه لا يثاب عليها بل على قصدها فقط . ونقل عن شيخنا [ ص: 15 ] الشهاب الرملي أن قراءة الجنب لا بقصد القرآن يثاب عليها ثواب الذكر ، وهو لا ينافي ذلك ; لأنه هنا لم يصرفها عن القرآنية لنسيانه الجنابة ولم يوجد شرط ثوابها من الطهارة ، وهناك انصرفت عن القرآنية لعدم قصدها فصارت ذكرا فأثيب على الذكر . وقد يقال : نسيانه الجنابة لا يقتضي قصد القرآنية فينبغي حينئذ أن يثاب عليها ثواب الذكر لانصرافها عن القرآنية بسبب الجنابة ، بل ينبغي أن يثاب كذلك ، وإن قصدها إلغاء لقصدها لعدم مناسبته . ا هـ ( قوله : بأن كشفته ريح ) قال سم على حج : ولو تكرر كشف الريح وتوالى بحيث احتاج في الستر إلى حركات كثيرة متوالية فالمتجه البطلان بفعل ذلك ; لأن ذلك نادر ، ويؤيده ما قالوه فيما لو صلت أمة مكشوفة الرأس فعتقت في الصلاة ووجدت خمارا تحتاج في مضيها إليه إلى أفعال كثيرة أو طالت مدة التكشف من أن صلاتها تبطل . ا هـ .

                                                                                                                            ورأيت بهامش عن سم ما نصه : وينبغي أن مثل الريح الآدمي غير المميز والبهيمة ولو معلمة . ا هـ . وقوله غير المميز مفهومه أن المميز يضر ، ويوجه ذلك بأن له قصدا فبعد إلحاقه بالريح ، بخلاف غير المميز فإنه لما لم يكن له قصد أمكن إلحاقه به هذا . ونقل عن شيخنا الزيادي الضرر في غير المميز وعلله بندرته في الصلاة فليراجع . أقول : وهو قياس ما قالوه في الانحراف عن القبلة مكرها فإنه يضر ، وإن عاد حالا ، وعللوه بندرة الإكراه في الصلاة فاعتمده .

                                                                                                                            ( قوله : نجاسة رطبة ) قال سم على حج : تنبيه : لو دار الأمر بين إلقاء النجاسة حالا لتصح صلاته لكن يلزمه إلقاؤها في المسجد لكونه فيه وبين عدم إلقائها صونا للمسجد عن التنجيس لكن تبطل صلاته ، فالمتجه عندي مراعاة صحة الصلاة ، وإلقاء النجاسة حالا في المسجد ثم إزالتها فورا بعد الصلاة ; لأن في ذلك الجمع بين صحة الصلاة وتطهير المسجد ، لكن يغتفر إلقاؤها فيه وتأخير التطهير إلى فراغ الصلاة للضرورة فليتأمل . وقولنا فالمتجه إلخ وافق عليه م ر في الجافة ومنعه في الرطبة ، وهو متجه إن اتسع الوقت . ا هـ . وفيه أيضا قوله : أو نقضها حالا ينبغي أو غسلها حالا كأن وقع عليه نقطة بول فصب عليها حالا الماء بحيث طهر محلها بمجرد صبه حالا ، والمتجه أن البدن كالثوب في ذلك بجامع اشتراط طهارة كل منهما ، فإذا وقع عليه نقطة بول مثلا فصب فورا الماء عليها إلخ بحيث طهر المحل بمجرد الصب حالا لم تبطل صلاته ، كما لو وقع عليه نجس جاف فألقاه عنه حالا بنحو إمالته فورا حتى سقط عنه النجس ، إذ لا فرق في المعنى بين إلقاء النجس الجاف فورا وصب الماء على النجس الرطب فورا في كل منهما فليتأمل . ثم رأيت عن الفتى فيما لو أصابه في الصلاة نجاسة حكمية فغسلها فورا أن أول كلام الروضة يفهم صحة صلاته ، وآخره يفهم خلافه . ا هـ .

                                                                                                                            وقوله : يفهم خلافه ظاهر ; لأنه يصدق عليه أنه حامل للنجاسة إلى وقت الغسل ، فأشبه ما لو حمل الثوب الذي وقعت عليه نجاسة . وفي كلام شيخنا العلامة الشوبري : وأما إلقاؤها على نحو مصحف أو في نحو جوف الكعبة فالوجه مراعاتهما ولو جافة لعظم حرمتهما فليحرر ( قوله : فسقطت ) أي وأسقطها على وجه لم يعد حاملا لها ( قوله : مع احتياجه ) أي فإن لم يحتج لذلك كأن غسل رجليه داخل الخف ، وهو محدث ثم انقضت مدة الخف بعد ذلك ، وهو يصلي لم تبطل صلاته لبقاء طهارته ( قوله : قبل فراغ المدة ) أي ، وهو بطهارة المسح ; لأن هذا [ ص: 16 ] الغسل لم يرفع الحدث ( قوله : عدم انعقادها ) معتمد خلافا لحج حيث قال بعد كلام ذكره : يقتضي عدم الانعقاد والذي يتجه انعقادها حتى تصح القدوة به ، وفي الروض وشرحه ما يوافقه ( قوله : انعقدت ) أي ويقتصر على ما أمكنه فعله منه ( قوله : أو لوثها قليلا ) أفهم أنه إن لوثها كثيرا بطلت صلاته ، ولعل وجهه أن الكثير إذا كان بفعله لا يعفى عنه واقتصاده من فعله ، وقياسه أنه لو كان فيه دمل ففتحه فخرج منه دم كثير لا يعفى عنه ، وينبغي أن محل عدم العفو عند فتحه إذا خرج الدم متصلا بالفتح ، فلو لم يخرج عقب الفتح لكنه تحلل وخرج بعده بمدة بحيث لا ينسب خروجه للفتح لم يضر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 14 - 16 ] ( قوله : نعم إن كان في نفل مطلق ) أي ولم ينو عددا كما هو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية