الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
478 - " إذا أكل أحدكم طعاما؛ فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها؛ أو يلعقها " ؛ (حم ق د هـ) ؛ عن ابن عباس ؛ (حم م ن هـ) ؛ عن جابر ؛ بزيادة: " فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا أكل أحدكم طعاما) ؛ ملوثا؛ وفرغ من الأكل؛ (فلا يمسح يده بالمنديل) ؛ بكسر الميم؛ (حتى يلعقها) ؛ بفتح أوله؛ يلحسها بنفسه؛ (أو يلعقها) ؛ غيره؛ بضم أوله؛ يلحسها غيره؛ ممن لا يتقذر ذلك؛ كحليلته؛ وخادمه؛ وولده؛ وتلميذه؛ لأن المسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة؛ والمراد باليد: الأصابع؛ بدليل خبر مسلم : " كان يأكل بثلاث أصابع؛ فإذا فرغ لعقها" ؛ فأطلق اليد على الأصابع؛ ويحتمل أن المراد الكف كلها؛ فيتناول من أكل بكل كفه؛ أو بأصابعه؛ أو ببعضها؛ قال في محاسن الشريعة: وأراد بالمنديل هنا: المعد لإزالة الزهومة؛ لا للمسح بعد الغسل؛ وظاهر الخبر أنهم كان لهم مناديل معدة لمسح الأيدي؛ ولا ينافيه ما في خبر أنهم لم يكن لهم مناديل؛ لأن ذلك كان في أول الأمر؛ قبل ظهور الإسلام وانتشاره؛ فلما ظهر وحث على النظافة اتخذوا لهم مناديل؛ لما قبل الغسل؛ ولما بعده؛ ففيه ندب اتخاذ ذلك؛ ورد على من كره لعق الأصابع استقذارا؛ نعم؛ لا يفعله أثناء الأكل؛ لأنه يعيد أصابعه في الطعام؛ وعليها أثر ريقه؛ فيستقذر؛ فإن احتاج لإزالة ما بيده مسحها بالمنديل؛ ومحل ندب مسح اليد بعد الطعام؛ كما قال عياض؛ في ما لم يحتج فيه للغسل؛ لغمر؛ أو لزوجة؛ وإلا غسلها؛ أي: بعد اللعق؛ لإزالة الريح؛ قال العراقي: والأمر بلعق الأصابع حمله الجمهور على الندب والإرشاد؛ وحمله الظاهرية على الوجوب؛ وبالغ ابن حزم في المحلى؛ فقال: هو فرض؛ قال العراقي: وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير؛ إما لعقها؛ أو إلعاقها.

(حم ق د هـ؛ عن ابن عباس ؛ حم م ن هـ؛ عن جابر) ؛ ابن عبد الله ؛ (بزيادة) تعليل؛ وهو قوله: (فإنه لا يدري في أي) ؛ جزء من أجزاء؛ (طعامه) ؛ تكون؛ (البركة) ؛ أفيما أكل؛ أو في الباقي بأصابعه؛ أو الباقي بأسفل القصعة؟ قال القرطبي : ومعناه أنه (تعالى) قد يخلق الشبع عند لعقها؛ فلا يترك شيئا احتقارا له؛ فيحفظ تلك البركة بلعقها؛ قال النووي : والمراد بالبركة: ما تحصل به التغذية؛ وتسلم عاقبته من نحو أذى؛ وتقوي على الطاعة؛ انتهى؛ ومما علل به ندب اللعق أيضا أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به؛ مع الاستغناء عنه بالريق؛ ومنه يؤخذ أن تقييد المسح بالمنديل لا مفهوم له؛ وأن المنهي عنه المسح بأي شيء كان؛ وذكر المنديل لبيان الواقع غالبا.



الخدمات العلمية