الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4810 - (السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل الرجوع إلى أهله) (مالك حم ق هـ) عن أبي هريرة

التالي السابق


(السفر قطعة من العذاب) ؛ أي: جزء منه لما فيه من التعب ومعاناة الريح والشمس والبرد والخوف والخطر وأكل الخشن وقلة الماء والزاد وفراق الأحبة، ولا يناقضه خبر (سافروا تغنموا) ؛ إذ لا يلزم من الغنم بالسفر أن لا يكون من العذاب لما فيه من المشقة، وقيل: السفر سقر، وقيل فيه:


وإن اغتراب المرء من غير خلة. . . ولا همة يسمو بها لعجيب [ ص: 141 ] وحسب الفتى ذلا وإن أدرك العلا.
. . ونال الثريا أن يقال غريب



(يمنع أحدكم طعامه) الجملة استئناف بياني لمقدر تقديره: لم كان ذلك؟ فقال يمنع أحدكم طعامه (وشرابه ونومه) بنصب الأربعة بنزع الخافض على المفعولية؛ لأن منع يتعدى لمفعولين الأول "أحدكم" والثاني "طعامه"، و"شرابه" عطف عليه، "ونومه" إما على الأول أو الثاني، والمراد منع كمالات المذكورات لا أصلها، ومما تقرر علم أن المراد العذاب الدنيوي، وأما ما قيل من أن المراد العذاب الأخروي بسبب الإثم الناشئ عن المشقة فيه فناشئ عن عدم تأمل قوله (يمنع أحدكم) إلخ، فإن قلت: لم عبر بالعذاب دون العقاب، قلت: لكون العذاب أعم؛ إذ العذاب الألم كما تقرر، وليس كل مؤلم يكون عقابا على ذنب (فإذا قضى أحدكم نهمته) بفتح فسكون: رغبته أو مقصوده أو حاجته (من وجهه) ؛ أي: مقصده، وفي رواية (إذا قضى أحدكم وطره من سفره) ، وفي رواية (فرغ من حاجته) (فليعجل) بضم التحتية (الرجوع إلى أهله) محافظة على فضل الجمعة والجماعة، وأداء للحقوق الواجبة لمن يمونه، وعبر بالنهمة التي هي بلوغ الهمة؛ إشعارا بأن الكلام في سفر لأرب دنيوي كتجارة، دون الواجب كحج وغزو [فائدة] لما جلس إمام الحرمين محل أبيه سئل لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب فورا؛ لأن فيه فراق الأحباب

(مالك) في آخر الموطأ (حم ق هـ عن أبي هريرة )



الخدمات العلمية