الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في الآية سؤال ، وهو أن القوم سألوا عما ينفقون لا عمن تصرف النفقة إليهم ، فكيف أجابهم بهذا ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه حصل في الآية ما يكون جوابا عن السؤال ، وضم إليه زيادة بها يكمل ذلك المقصود ; وذلك لأن قوله : ( ما أنفقتم من خير ) جواب عن السؤال ، ثم إن ذلك الإنفاق لا يكمل إلا إذا كان مصروفا إلى جهة الاستحقاق ، فلهذا لما ذكر الله تعالى الجواب أردفه بذكر المصرف تكميلا للبيان .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال القفال : إنه وإن كان السؤال واردا بلفظ ( ما ) إلا أن المقصود : السؤال عن الكيفية ; لأنهم كانوا عالمين أن الذي أمروا به إنفاق مال يخرج قربة إلى الله تعالى ، وإذا كان هذا معلوما لم ينصرف الوهم إلى أن ذلك المال أي شيء هو ؟ وإذا خرج هذا عن أن يكون مرادا تعين أن المطلوب بالسؤال أن مصرفه أي شيء هو ؟ وحينئذ يكون الجواب مطابقا للسؤال ، ونظيره قوله تعالى : ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) [البقرة : 70] وإنما كان هذا الجواب موافقا لذلك السؤال ؛ لأنه كان من المعلوم أن البقرة هي البهيمة التي شأنها وصفتها كذا ، فقوله : ( ما هي ) لا يمكن حمله على طلب الماهية ، فتعين أن يكون المراد منه طلب الصفة التي بها تتميز تلك البقرة عن غيرها ، فبهذا الطريق قلنا : إن ذلك الجواب مطابق لذلك السؤال ، فكذا ههنا لما علمنا أنهم كانوا عالمين بأن الذي أمروا بإنفاقه ما هو ، وجب أن يقطع بأن مرادهم من قولهم : ( ماذا ينفقون ) ليس هو طلب الماهية ، بل طلب المصرف ، فلهذا حسن الجواب .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : يحتمل أن يكون المراد أنهم سألوا هذا السؤال فكأنهم قيل لهم : هذا سؤال فاسد أنفق أي شيء كان ولكن بشرط أن يكون مالا حلالا ، وبشرط أن يكون مصروفا إلى المصرف ، وهذا مثل ما إذا كان الإنسان صحيح المزاج لا يضره أكل أي طعام كان ، فقال للطبيب : ماذا آكل ؟ فيقول الطبيب : كل في اليوم مرتين ، كان المعنى : كل ما شئت لكن بهذا الشرط كذا ههنا المعنى : أنفق أي شيء أردت بشرط أن يكون المصرف ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية