الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما استدلالهم بقوله تعالى : الله خالق كل شيء ( الرعد : 16 ) ، والقرآن شيء ، فيكون داخلا في عموم كل فيكون مخلوقا ! ! فمن أعجب العجب . وذلك : أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى ، وإنما يخلقها العباد جميعها ، لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم كل ، وأدخلوا كلام الله في عمومها ، مع أنه صفة من [ ص: 179 ] صفاته ، به تكون الأشياء المخلوقة ، إذ بأمره تكون المخلوقات ، قال تعالى : والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر ( الأعراف : 54 ) . ففرق بين الخلق والأمر ، فلو كان الأمر مخلوقا لزم أن يكون مخلوقا بأمر آخر ، والآخر بآخر ، إلى ما لا نهاية له ، فيلزم التسلسل ، وهو باطل . وطرد باطلهم : أن تكون جميع صفاته تعالى مخلوقة ، كالعلم والقدرة وغيرهما ، وذلك صريح الكفر ، فإن علمه شيء ، وقدرته شيء ، وحياته شيء ، فيدخل ذلك في عموم كل ، فيكون مخلوقا بعد أن لم يكن ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

وكيف يصح أن يكون متكلما بكلام يقوم بغيره ؟ ولو صح ذلك للزم أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجمادات كلامه ! وكذلك أيضا ما خلقه في الحيوانات ، لا يفرق حينئذ بين نطق وأنطق . وإنما قالت الجلود : أنطقنا الله ( فصلت : 21 ) ، ولم تقل : نطق الله ، بل يلزم أن يكون متكلما بكل كلام خلقه في غيره ، زورا كان أو كذبا أو كفرا أو هذيانا ! ! تعالى الله عن ذلك . وقد طرد ذلك الاتحادية ، فقال ابن عربي :


وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه !

[ ص: 180 ] ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره ، لصح أن يقال للبصير : أعمى ، وللأعمى : بصير ! لأن البصير قد قام وصف العمى بغيره ، والأعمى قد قام وصف البصر بغيره ! ولصح أن يوصف الله تعالى بالصفات التي خلقها في غيره ، من الألوان والروائح والطعوم والطول والقصر ونحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية