الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 285 ] ومن العجائب أنك تجد أكثر الغلاة في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم أبعد الطوائف عن تصديق خبره وطاعة أمره، ذلك مثل الرافضة والجهمية ونحوهم، ممن يغلون في عصمتهم، وهم مع ذلك يردون أخباره، وقد اجتمع كل من آمن بالرسول على أنه معصوم فيما يبلغه عن الله، فلا يستقر في خبره خطأ، كما لا يكون فيه كذب، فإن وجود هذا وهذا في خبره يناقض مقصود الرسالة، ويناقض الدليل الدال على أنه رسول.

وأما ما لا يتعلق بالتبليغ عن الله من أفعاله، فللناس في العصمة منه نزاع وتفصيل، ليس هذا موضعه، ومتنازعون في أن العصمة من ذلك: هل تعلم بالعقل أو السمع؟ بخلاف العصمة في التبليغ، فإنه متفق عليه، معلوم بالسمع والعقل، ومقصود التبليغ تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر، فمن كان من أصله أن الدلالة السمعية لا تفيد اليقين، أو أنه يقدم رأيه وذوقه على خبر الرسول، لم ينتفع بإثبات عصمته المتفق عليها، فضلا عن موارد النزاع من العصمة، بل هم معظمون للرسول في غير مقصود الرسالة، وأما مقصود الرسالة فلم يأخذوه عنه، وصاروا في ذلك كالنصارى مع المسيح عليه السلام الذي أرسل إليهم، فلم يتلقوا عنه الدين الذي بعث به، بل غلوا فيه غلوا صاروا مشركين به لا مؤمنين به.

وكذلك الغالية في الأنبياء وأهل البيت والمشايخ، تجدهم مشركين بهم، لا متبعين لهم في خبرهم وأمرهم، فخرجوا عن حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. [ ص: 286 ]

وهؤلاء يعزلون الأنبياء والرسل في أنفسهم عن الولاية التي ولاهم الله إياها باتفاق المسلمين، ويعتقدون أنه ولاهم ولاية لو كانت حقا لم ينفعهم ذلك، فكيف إذا كانوا كاذبين مشركين؟

ولهذا تجد فيهم من تحريف نصوص الأنبياء التي أخبروا بها عن الله وملائكته وكتبه ورسله ما يناقض مقصود أخبارهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية