الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وحد الحر أربعون ) لخبر مسلم أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد فأمر الحسن فامتنع فأمر عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أي علي أمسك ثم قال { جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين } وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين أي بإشارة ابن عوف لما استشار عمر الناس في ذلك ، وكل سنة وهذا أحب إلي وبه يرد زعم بعضهم إجماع الصحابة على الثمانين ، واستشكل ذكر الأربعين بما في البخاري أنه جلده ثمانين وجمع بأن السوط له رأسان والقصبة واحدة ، وقوله وكل سنة بما صح عنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم لم يسنه ولهذا كان في نفسه من الثمانين شيء

                                                                                                                              وقال لو مات وديته وكان يحد في إمارته أربعين ، ويجاب بحمل النفي على أنه لم يبلغه أولا والإثبات على أنه بلغه ثانيا أو لم يسنه بلفظ عام يشمل كل قضية بل فعله في وقائع عينية وهي لا عموم لها ثم رأيت ما يؤيد هذا وهو ما في جامع عبد الرزاق { أنه صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر ثمانين } ( ورقيق ) أي من فيه رق وإن قل ( عشرون ) ؛ لأنه على النصف من الحر [ ص: 172 ] ويجلد ما ذكر القوي السليم ( بسوط أو أيد أو نعال أو أطراف ثياب ) للاتباع رواه البخاري وغيره ولا بد في طرف الثوب من فتله وشده حتى يؤلم ( وقيل يتعين سوط ) ؛ لأن غيره لا يحصل به الزجر وصححه كثيرون ونقل غير واحد عليه إجماع الصحابة لكنه في شرح مسلم حكى الإجماع على الأول وجعل الثاني غلطا فاحشا لمخالفته للأحاديث الصحيحة ونظر فيه الأذرعي أما النضو ولو خلقة فيجلد بنحو عثكال ولا يجوز بسوط

                                                                                                                              ( ولو رأى الإمام بلوغه ) أي حد الحر ( ثمانين ) جلدة ( جاز في الأصح ) لما مر عن عمر رضي الله عنه لكن الأولى أربعون كما بحثه الزركشي لما مر عن علي أنه صلى الله عليه وسلم لم يسنه وفيه نظر لما مر أنه سنه إلا أن يقال الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم الأربعون وجاء أن عليا أشار على عمر رضي الله عنهما بذلك أيضا وعلله بأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد الافتراء ثمانون ( والزيادة ) على الأربعين ( تعزيرات ) إذ لو كانت حدا لم يجز تركها لكن لو كانت تعزيرات جازت زيادتها ؛ لأن كل تعزير يجوز كونه تسعا وثلاثين فالوجه أن فيها شائبة من كل منهما ، ومن ثم قال الرافعي اختص حد الشرب بتحتم بعضه ورجوع باقيه لرأي الإمام أو نائبه ( وقيل حد ) أي ومع ذلك لو مات بها ضمن على ما اقتضاه كلامهم ، ويوجه بأنا وإن قلنا : إنها حد ، هي تشبه التعزير من حيث جواز تركها فاندفع ماللبلقيني هنا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وهذا أحب إلي ) أي الأربعون صرح به الكمال المقدسي في شرحه للإرشاد مع حكاية القصة بأبسط مما هنا عن صحيح مسلم كذا بهامش شرح البهجة بخط شيخنا الشهاب البرلسي ( قوله رأيت ما يؤيد هذا ) قد يؤيد الأول أيضا فتأمله .

                                                                                                                              [ ص: 172 ] قوله ولو رأى الإمام بلوغه ثمانين جاز ) قال في شرح الروض أما العبد فلو رأى الإمام تبليغه أربعين جاز فلا يزاد عليها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإذا سكر هذى إلخ ) المراد أن السكر مظنة ذلك .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لخبر مسلم ) إلى قول المتن والزيادة في النهاية إلا قوله وبه يرد إلى واستشكل وقوله ونقل غير واحد إلى ، وأما النضو وقوله لما مر عن علي إلى الأكثر من أحواله ( قوله فأمر ) أي : علي ا هـ ع ش ( قوله ثم قال { جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين } إلخ ) فإن قلت إذا قلنا بالراجح في الصحابة من عدالة جميعهم أشكل شربهم الخمر فإنه ينافي العدالة ويوجب الفسق قلت : يمكن أن من شرب منهم عرضت له شبهة تصورها في نفسه تقتضي جوازه فشرب تعويلا عليها وليست هي كذلك عند من رفع له فحده على مقتضى اعتقاده وذاك شرب على مقتضى اعتقاده والعبرة بعقيدة الحاكم فلا اعتراض على واحد منهما فاحفظه إنه دقيق ، على أنهم صرحوا بأن المراد بعدالتهم أن من شهد منهم أو روى حديثا لا يبحث عن عدالته فتقبل روايته وشهادته ، أو روى شخص عن مبهم من الصحابة فقال حدثني رجل من الصحابة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا قبل منه ومن ارتكب شيئا يوجب رتب عليه مقتضاه من حد أو تعزير ومع ذلك لا يفسق بارتكاب ما يفسق به غيره كما صرح به المحلي في شرح جمع الجوامع هـ ع ش وقوله أي : بإشارة إلخ بيان فائدة ذكرها في خلال كلام علي رضي الله تعالى عنه ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله وكل سنة إلخ ) بقية كلام علي رضي الله تعالى عنه ( قوله سنة ) أي : طريقة ( قوله وهذا أحب إلي ) أي : الأربعون صرح به الكمال المقدسي في شرح الإرشاد كذا بهامش شرح البهجة بخط شيخنا الشهاب البرلسي سم على حج ا هـ ع ش عبارة البجيرمي أي الأربعون كما في ع ش والحلبي وقال الشوبري أي : الثمانون وهو الظاهر ا هـ أقول وهذا أي : الثمانون صريح صنيع المغني في الاستدلال على الثمانين الآتي حيث جعل ما هنا وما يأتي حديثا واحدا فقال عقب هذا أحب إلي ؛ لأنه إذا شرب مسكرا إلخ ( قوله وبه يرد ) أي بقوله ثم قال جلد النبي إلخ ( قوله زعم بعضهم إجماع الصحابة إلخ ) قال الحلبي وأجيب عنه أي : بعد تسليم دعوى الإجماع بأن الإجماع على جواز الزيادة لا على تعيينها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله واستشكل ذكر الأربعين ) أي : في الرواية المذكورة .

                                                                                                                              ( قوله أنه جلد ) أي : صلى الله عليه وسلم ( قوله له رأسان ) أي : كان له رأسان ( قوله وقوله إلخ ) أي واستشكل قول علي رضي الله تعالى عنه وكذا ضمائر عنه ونفسه وقال وكان يحد في إمارته ( قوله ويجاب بحمل النفي إلخ ) أي : لم يسنه ويمنع هذا الحمل كون رجوع علي رضي الله تعالى عنه عن الثمانين إلى الأربعين في خلافته ( قوله والإثبات ) أي : وكل سنة ( قوله على أنه ) أي : جلده صلى الله عليه وسلم الثمانين وقوله لم يبلغه أي : عليا رضي الله تعالى عنه ( قوله أو لم يسنه إلخ ) عطف على قوله لم يبلغه إلخ ( قوله ما يؤيد به ) أي : أنه لم يسنه بلفظ عام يشمل كل قضية بل فعله إلخ ( قوله ما في جامع عبد الرزاق إلخ ) هذا قد يؤيد الأول أيضا فتأمله ا هـ سم أي : أنه بلغه ثانيا ويظهر أن ما في جامع عبد الرزاق محمول أيضا على سوط له رأسان والقصبة واحدة ( قول المتن ورقيق عشرون ) .

                                                                                                                              ( تنبيه ) لو تعدد الشرب كفى ما ذكره المصنف وحديث الأمر بقتل الشارب في الرابعة منسوخ بالإجماع ويروى أن أبا محجن الثقفي القائل

                                                                                                                              إذا مت فادفني إلى أصل كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني في الفلاة فأنني
                                                                                                                              أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

                                                                                                                              [ ص: 172 ] جلده عمر رضي الله تعالى عنه مرارا والظاهر أنه أكثر من أربع ثم تاب وحسنت توبته وذكر أنه قد نبت عليه ثلاث أصول كرم وقد طالت وانتشرت وهي معرشة على قبره بنواحي جرجان ا هـ مغني ( قوله ويجلد ما ذكر القوي إلخ ) فعل فمفعوله المطلق المجازي ثم نائب فاعله ( قول المتن بسوط ) هو كما قال ابن الصلاح المتخذ من جلود سيور يلوى ويلف سمي بذلك ؛ لأنه يسوط اللحم بالدم أي يخلطه ا هـ مغني ( قوله للاتباع ) إلى المتن في المغني ( قوله ولا بد في طرف الثوب إلخ ) أي : وجوبا ع ش ( قول المتن وقيل يتعين السوط ) أي للسليم القوي كحد الزنا والقذف ا هـ مغني ( قوله ونظر فيه ) أي : ما في شرح مسلم ( قوله أما النضو ) إلى المتن في المغني ( قوله ولا يجوز بسوط ) ولو خالف وجلد به فمات المجلود فالذي يظهر عدم الضمان كما لو جلد في حر أو برد ومات به ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قول المتن ولو رأى الإمام إلخ ) قال القاضي لا بد في الحد من النية وخالفه شيخه القفال فلم يشترطها قال حتى لو ظن الإمام أن عليه حد شرب فجلده فبان غيره أجزأ وكذا لو ضربه فبان أن عليه حدا انتهى ، وقد يتوقف في قوله وكذا إلخ ؛ لأن ضربه ظلما قصد به غير الحد فهو صارف عن وقوعه عنه ، بخلاف ما لو ضربه بلا قصد أنه عن الحد فينبغي الإجزاء حملا للمطلق على ما وجب عليه لعدم وجود الصارف عنه سم على المنهج ا هـ ع ش ( قول المتن جاز في الأصح ) ويجري الخلاف في بلوغه في الرقيق أربعين ا هـ مغني عبارة سم عن الأسنى أما العبد فلو رأى الإمام تبليغه أربعين جاز ولا يزاد عليها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لما مر إلخ ) عبارة المغني لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال { جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين } وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي لأنه إذا شرب سكر إلخ .

                                                                                                                              ( قوله عن عمر ) أي : فعله ( قوله وفيه نظر ) أي : في تعليل الزركشي لما مر أي : عن علي رضي الله تعالى عنه ( قوله وجاء أن عليا أشار على عمر إلخ ) هذا يدل على أن اسم الإشارة في قوله السابق وهذا أحب إلخ راجع للثمانين ا هـ حلبي ( قوله أشار على عمر ) الأولى إسقاط على كما فعله النهاية ( قوله بذلك ) أي : الثمانين ع ش ورشيدي ( قوله وعلله ) أي : علي رضي الله تعالى عنه الثمانين ( قوله وإذا سكر هذى إلخ ) كأن المراد أن السكر مظنة ذلك ا هـ سم ( قوله وحد الافتراء إلخ ) لعل المراد بالافتراء القذف ا هـ سيد عمر ( قوله على الأربعين ) أي : في الحر وعلى العشرين في غيره ا هـ مغني ( قوله جازت زيادتها ) عبارة المغني والنهاية فلتجز الزيادة على الثمانين وقد منعوها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فالوجه أن فيها إلخ ) والمعتمد أنها تعزيرات وإنما لم تجز الزيادة اقتصارا على ما ورد ا هـ مغني ، عبارة النهاية وجوابه أن الإجماع قام على عدم الزيادة عليها فهي تعزيرات على وجه مخصوص ا هـ وهو عدم الزيادة على الثمانين وجوازه مع عدم تحقق الجناية ع ش ( قول المتن وقيل حد ) ؛ لأن التعزير لا يكون إلا على جناية محققة نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله ومع ذلك ) أي : كونها حدا وقوله ضمن خالفه النهاية فقال ومع ذلك لو مات بها لم يضمن ا هـ قال ع ش قوله ومع ذلك أي : ومع كون الزيادة تعزيرات وقوله لا يضمن إلخ هذا يخالف ما يأتي في كلام المصنف في كتاب الصيال والزائد في حد يضمن بقسطه إلا أن يقال هذا تفريع على كون الزائد حدا لا تعزيرا وذلك مفرع على أنه تعزير إلا أنه يبعده قوله ومع ذلك فإنه كان الظاهر حينئذ أن يقول وعليه أو نحوه وينافيه تصريح شرح المنهج فيما يأتي بضمان عاقلة الإمام فيما إذا ضرب في حد الشرب ثمانين فمات ا هـ ع ش . .




                                                                                                                              الخدمات العلمية