الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] ذكر ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس

في هذه السنة بويع أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة في شهر ربيع الأول ، وقيل : في ربيع الآخر لثلاث عشرة مضت منه ، وقيل : في جمادى الأولى .

وكان بدء ذلك وأوله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم العباس بن عبد المطلب أن الخلافة تؤول إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ، ويتحدثون به بينهم .

ثم إن أبا هاشم ابنالحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال له : [ يا ابن عم ، إن عندي علما أنبذه إليك ، فلا تطلعن عليه أحدا ] ، إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم . [ قال : قد علمت ] ، فلا يسمعنه منكم أحد .

وقد تقدم في خبر ابن الأشعث قول خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان : أما إذ كان الفتق من سجستان ، فليس عليك منه بأس ، إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان .

وقال محمد بن علي بن عبد الله : لنا ثلاثة أوقات : موت الطاغية يزيد بن معاوية ، ورأس المائة ، وفتق إفريقية ، فعند ذلك يدعو لنا دعاة ، ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيلهم [ المغرب ] ويستخرجوا ما كنز الجبارون .

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ، ونقضت البربر ، بعث محمد بن علي إلى خراسان داعيا ، وأمره أن يدعو إلى الرضا ، ولا يسمي أحدا .

[ ص: 6 ] وقد ذكرنا فيما تقدم خبر الدعاة ، وخبر أبي مسلم ، وقبض مروان على إبراهيم بن محمد ، وكان مروان لما أرسل المقبوض عليه وصف للرسول صفة أبي العباس ، لأنه كان يجد في الكتب : إن من هذه صفته يقتلهم ويسلبهم ملكهم ! وقال له ليأتيه بإبراهيم بن محمد .

فقدم الرسول فأخذ أبا العباس بالصفة ، فلما ظهر إبراهيم وأمن ، قيل للرسول : إنما أمرت بإبراهيم وهذا عبد الله . فترك أبا العباس ، وأخذ إبراهيم فانطلق به إلى مروان ، فلما رآه قال : ليس هذه الصفة التي وصفت لك .

فقالوا : قد رأينا الصفة التي وصفت ، وإنما سميت إبراهيم فهذا إبراهيم .

فأمر به فحبس ، وأعاد الرسل في طلب أبي العباس فلم يروه .

وكان سبب مسيره من الحميمة أن إبراهيم لما أخذه الرسول نعى نفسه إلى أهل بيته ، وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد ، وبالسمع له وبالطاعة ، وأوصى إلى أبي العباس .

( وجعله الخليفة بعده ، فسار أبو العباس ) ومن معه من أهل بيته ، منهم : أخوه أبو جعفر المنصور ، وعبد الوهاب ومحمد ابنا أخيه إبراهيم ، وأعمامه داود ، وعيسى ، وصالح ، وإسماعيل ، وعبد الله ، وعبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس ، وابن عمه داود ، وابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، ويحيى بن جعفر بن تمام بن عباس ، حتى قدموا الكوفة في صفر ، وشيعتهم من أهل خراسان ، بظاهر الكوفة بحمام أعين ، فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود ، وكتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة .

وأراد فيما ذكر أن يحول الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم الإمام ، فقال له أبو الجهم : ما فعل الإمام ؟ قال : لم يقدم [ بعد ] . فألح عليه . فقال : ليس هذا وقت خروجه ، لأن واسطا لم تفتح بعد .

وكان أبو سلمة إذا سئل عن الإمام يقول : لا تعجلوا . فلم يزل ذلك من أمره حتى دخل أبو حميد محمد بن إبراهيم الحميري من حمام أعين يريد الكناسة ، فلقي خادما لإبراهيم الإمام يقال له سابق الخوارزمي ، فعرفه ، فقال له : ما فعل إبراهيم [ ص: 7 ] الإمام ؟ فأخبره أن مروان قتله ، وأن إبراهيم أوصى إلى أخيه أبي العباس واستخلفه من بعده ، وأنه قدم الكوفة ومعه عامة أهل بيته ، فسأله أبو حميد أن ينطلق به إليهم ، فقال له سابق : الموعد بيني وبينك غدا في هذا الموضع ، وكره سابق أن يدله عليهم إلا بإذنهم .

فرجع أبو حميد إلى أبي الجهم ، فأخبره وهو في عسكر أبي سلمة ، فأمره أن يلطف للقائهم ، فرجع أبو حميد من الغد إلى الموضع الذي واعد فيه سابقا فلقيه ، فانطلق به إلى أبي العباس وأهل بيته ، فلما دخل عليهم سأل أبو حميد من الخليفة منهم . فقال داود بن علي : هذا إمامكم وخليفتكم . وأشار إلى أبي العباس ، فسلم عليه بالخلافة وقبل يديه ورجليه ، وقال : مرنا بأمرك . وعزاه بإبراهيم الإمام .

ثم رجع وصحبه إبراهيم بن سلمة ، رجل كان يخدم بني العباس ، إلى أبي الجهم فأخبره عن منزلهم ، وأن الإمام أرسل إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار يعطيها الجمال كراء الجمال التي حملتهم ، فلم يبعث بها إليهم ، فمشى أبو الجهم وأبو حميد ، وإبراهيم بن سلمة إلى موسى بن كعب ، وقصوا عليه القصة ، وبعثوا إلى الإمام بمائتي دينار مع إبراهيم بن سلمة .

واتفق رأي جماعة من القواد على أن يلقوا الإمام ، فمضى موسى بن كعب ، وأبو الجهم ، وعبد الحميد بن ربعي ، وسلمة بن محمد ، وإبراهيم بن سلمة ، وعبد الله الطائي ، وإسحاق بن إبراهيم ، وشراحيل ، وعبد الله بن بسام ، وأبو حميد محمد بن إبراهيم ، وسليمان بن الأسود ، ومحمد بن الحصين إلى الإمام أبي العباس .

وبلغ ذلك أبا سلمة فسأل عنهم ، فقيل : إنهم دخلوا الكوفة في حاجة لهم ، وأتى القوم أبا العباس ، فقال : وأيكم عبد الله بن محمد ابن الحارثية ؟ فقالوا : هذا ، فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في إبراهيم ، ورجع موسى بن كعب ، وأبو الجهم ، وأمر أبو الجهم الباقين فتخلفوا عند الإمام .

فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم : أين كنت ؟ قال : ركبت إلى إمامي ، فركب أبو سلمة إلى الإمام ، فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد : إن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده .

فلما انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد ، فدخل وحده فسلم بالخلافة على أبي العباس . فقال له أبو حميد : على رغم أنفك يا ماص بظر أمه ! فقال له أبو العباس : مه ! وأمر أبا سلمة بالعود إلى معسكره ، فعاد .

[ ص: 8 ] وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، فلبسوا السلاح ، واصطفوا لخروج أبي العباس ، وأتوا بالدواب ، فركب برذونا أبلق ، وركب من معه من أهل بيته فدخلوا دار الإمارة ، ثم خرج إلى المسجد فخطب وصلى بالناس .

ثم صعد المنبر حين بويع له بالخلافة فقام في أعلاه ، وصعد عمه داود بن علي فقام دونه ، فتكلم أبو العباس فقال : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ، وكرمه ، وشرفه ، وعظمه ، واختاره لنا ، فأيده بنا ، وجعلنا أهله ، وكهفه ، وحصنه ، والقوام به ، والذابين عنه ، والناصرين له ، فألزمنا كلمة التقوى ، وجعلنا أحق بها وأهلها ، وخصنا برحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته ، وأنشأنا من آبائنا ، وأنبتنا من شجرته ، واشتقنا من نبعته ، جعله من أنفسنا عزيزا عليه ما عنتنا ، حريصا علينا ، بالمؤمنين رءوفا رحيما ، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع .

وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم ، تبارك وتعالى فيما أنزل من محكم كتابه : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، وقال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، وقال : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، وقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ) ، وقال : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ) .

فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وفضلا علينا ، والله ذو الفضل العظيم .

وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا ، فشاهت وجوههم ! ولم أيها الناس ؟ ! وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ، وبصرهم [ ص: 9 ] بعد جهالتهم ، وأنقذهم بعد هلكتهم ، وأظهر بنا الحق ، ودحض الباطل ، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا ، ورفع بنا الخسيسة ، وتمم بنا النقيصة ، وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر والمواساة في دنياهم ، وإخوانا على سرر متقابلين في آخرتهم .

فتح الله ذلك منة ومنحة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلما قبضه الله إليه قام بالأمر من بعده أصحابه ، وأمرهم شورى بينهم ، فحووا مواريث الأمم ، فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها ، وأعطوها أهلها ، وخرجوا خماصا منها .

ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها ، فجاروا فيها ، واستأثروا بها ، وظلموا أهلها بما أملى الله لهم حينا حتى آسفوه ، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، وتدارك بنا أمتنا ، وولي نصرنا والقيام بأمرنا ، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض ، وختم بنا كما افتتح بنا .

وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح ، وما توفيقنا ( أهل البيت ) إلا بالله .

يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا ، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زماننا ، وأتاكم الله بدولتنا ، فأنتم أسعد الناس بنا ، وأكرمهم علينا ، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم ، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير .

وكان موعوكا فاشتد عليه الوعك . فجلس على المنبر ، وقام عمه داود على مراقي المنبر ، فقال : الحمد لله ، شكرا للذي أهلك عدونا ، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 10 ] أيها الناس ! الآن أقشعت حنادس الدنيا ، وانكشف غطاؤها ، وأشرقت أرضها وسماؤها ، وطلعت الشمس من مطلعها ، وبزغ القمر من مبزغه ، وأخذ القوس باريها ، وعاد السهم إلى منزعه ، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم ، أهل الرأفة والرحمة بكم ، والعطف عليكم .

أيها الناس ! إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجينا ، ولا عقيانا ، ولا نحفر نهرا ، ولا نبني قصرا ، وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا ، والغضب لبني عمنا ، وما كرهنا من أموركم ، فلقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا ، ويشتد علينا سوء سيرة بني أمية فيكم ، واستنزالهم لكم ، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم .

لكم ذمة الله تبارك وتعالى ، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمة العباس ، رحمه الله ، علينا أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل فيكم بكتاب الله ، ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

تبا تبا لبني حرب بن أمية وبني مروان ! آثروا في مدتهم العاجلة على الآجلة ، والدار الفانية على الدار الباقية ، فركبوا الآثام ، وظلموا الأنام ، وانتهكوا المحارم ، وغشوا بالجرائم ، وجاروا في سيرتهم في العباد ، وسنتهم في البلاد ، ومرحوا في أعنة المعاصي ، وركضوا في ميدان الغي جهلا باستدراج الله ، وأمنا لمكر الله ، فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون ، فأصبحوا أحاديث ، ومزقوا كل ممزق ، فبعدا للقوم الظالمين ، وأدالنا الله من مروان ، وقد غره بالله الغرور ، وأرسل لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه ، أظن عدو الله أن لن نقدر عليه فنادى حزبه ، وجمع مكايده ورمى بكتائبه ، فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وشماله من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله ، ومحا [ ص: 11 ] ضلاله . وجعل دائرة السوء به ، وأحيا شرفنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا .

أيها الناس ! إن أمير المؤمنين ، نصره الله نصرا عزيزا ، إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة لأنه كاره أن يخلط بكلام الجمعة غيره ، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك ، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية ، فقد بدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان ، المتبع السفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين ، الشاب المتكهل المتمهل المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى .

فعج الناس له بالدعاء ، ثم قال : يا أهل الكوفة ! إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا ، حتى أباح الله شيعتنا أهل خراسان ، فأحيا بهم حقنا ، وأبلج بهم حجتنا ، وأظهر بهم دولتنا ، وأراكم الله بهم ما لستم تنتظرون ، فأظهر فيكم الخليفة من هاشم ، وبيض به وجوهكم ، وأدالكم على أهل الشام ، ونقل إليكم السلطان ، وأعز الإسلام ، ومن عليكم بإمام منحه العدالة ، وأعطاه حسن الإيالة ، فخذوا ما آتاكم الله بشكر ، والزموا طاعتنا ، ولا تخدعوا عن أنفسكم ، فإن الأمر أمركم ، وإن لكل أهل بيت مصرا وإنكم مصرنا .

ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد ، وأشار بيده إلى أبي العباس السفاح .

واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم - عليه السلام - والحمد لله على ما أبلانا وأولانا .

ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر ، وأجلس أخاه أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد ، فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب ، وجنهم الليل ، فدخل .

[ ص: 12 ] وقيل : إن داود بن علي لما تكلم قال في آخر كلامه : أيها الناس ، إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خليفة إلا علي بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين الذي خلفي .

ثم نزلا ، وخرج أبو العباس يعسكر بحمام أعين في عسكر أبي سلمة ، ونزل معه في حجرته بينهما ستر ، وحاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام .

واستخلف على الكوفة وأرضها عمه داود بن علي ، وبعث عمه عبد الله بن علي إلى أبي عون بن يزيد بشهرزور ، وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة ، وهو يومئذ يحاصر ابن هبيرة بواسط ، وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن .

وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز ، وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن الطواف .

وأقام السفاح بالعسكر أشهرا ، ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية بقصر الإمارة ، وكان تنكر لأبي سلمة قبل تحوله حتى عرف ذلك .

وقد قيل : إن داود بن علي وابنه موسى لم يكونا بالشام عند مسير بني العباس إلى العراق ، إنما كانا بالعراق أو بغيره فخرجا يريدان الشام ، فلقيهما أبو العباس ، وأهل بيته يريدون الكوفة بدومة الجندل ، فسألهم داود عن خبرهم ، فقص عليه أبو العباس قصتهم ، وأنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم .

فقال له داود : يا أبا العباس تأتي الكوفة وشيخ بني أمية مروان بن محمد بحران مطل على العراق في أهل الشام والجزيرة ، وشيخ العرب يزيد بن هبيرة بالعراق في جند العرب ! وقال : يا عمي من أحب الحياة ذل ، ثم تمثل بقول الأعشى :


فما ميتة إن متها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها

.

فالتفت داود إلى ابنه موسى ، فقال : صدق والله ابن عمك ، فارجع بنا معه نعش أعزاء أو نمت كرماء . فرجعوا جميعا .

[ ص: 13 ] فكان عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة : إن نفرا أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم وأهلهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همتهم ، كبيرة أنفسهم ، شديدة قلوبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية