الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      إذا الشمس كورت : معنى كورت في قول ابن عباس: أدخلت في العرش، الضحاك: أذهبت، قتادة: أذهب ضوءها، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس، [ ص: 39 ] ومجاهد، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن خثيم: رمي بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا النجوم انكدرت : قال مجاهد، وقتادة، وغيرهما: تناثرت، قيل: تتناثر من أيدي الملائكة; لأنهم يموتون، وفي الخبر: "أنها معلقة بين السماء والأرض بسلاسل بأيدي الملائكة".

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: {انكدرت}: تغيرت، وأصل (الانكدار): الانصباب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا العشار عطلت : {العشار}: النوق التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها، عن مجاهد، وغيره، وواحدها: (عشراء)، وقد تسمى بذلك إلى أن تلد، وبعيد ذلك، و العشار : أعز ما يكون عند العرب، واهتمامهم بها أشد، فأخبر أنها تعطل يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا الوحوش حشرت أي: جمعت، عن الحسن، وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: (حشرها): موتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا البحار سجرت أي: أوقدت، فصارت نارا، عن ابن عباس، وأبي.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: يبست، الضحاك: فاضت، قتادة: غار ماؤها، فذهب، وقيل: هي بحار في جهنم تسجر يوم القيامة; أي: تملأ بأنواع العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 40 ] وقوله: وإذا النفوس زوجت : قيل: المعنى: قرن كل إنسان بشكله من أهل الجنة، أو أهل النار، قاله عمر وابن عباس رضي الله عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك، وعكرمة: المعنى: أن النفوس تقرن بأجسادها; أي: ترد إليها، وقيل: يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان، وقيل: يقرن المؤمنون بالحور، والكافرون بالشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا الموءودة سئلت يعني: البنت تدفن وهي حية، سميت موءودة; لأنها تثقل بالتراب، وسؤال الموءودة على وجه التوبيخ لقاتلها، فسئلت وهي لا تعقل; كما يقال للطفل الذي لا يعقل إذا ضرب: (لم ضربت؟ وما ذنبك؟)، وقيل: إنها تكون يومئذ كاملة في العقل وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى {سئلت}: سئل عنها; كما قال: إن العهد كان مسئولا [الإسراء: 34]; أي: مسؤولا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا الصحف نشرت أي: نشر ما فيها من أعمال بني آدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا السماء كشطت أي: كشطت عما فيها; كما يكشط الجلد عن الكبش وغيره، و (الكشط) و (القشط) سواء; وهو القلع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا الجحيم سعرت أي: هيج نارها حتى تتأجج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا الجنة أزلفت أي: قربت لأهلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: علمت نفس ما أحضرت أي: من خير أو شر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 41 ] وقوله: فلا أقسم بالخنس : (لا): زائدة، و (الخنس) مختلف فيها; قال علي رضي الله عنه:

                                                                                                                                                                                                                                      هي الدراري السبعة، وفي رواية أخرى: الخمسة، ذكر المشتري، وعطارد، والزهرة، والمريخ، وزحل، ولم يذكر الشمس والقمر.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: هي النجوم تخنس بالنهار; أي: ترجع في مجراها، يقال: (خنست عن الرجل); إذا تأخرت عنه، ويقال أيضا: (خنست عنه); إذا استترت عنه، فالنجوم أيضا تستتر بالنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن: و الكنس : النجوم أيضا; والمعنى: أنها تستقر في مغيبها، وروي نحوه عن مجاهد وقتادة وغيرهما في (الخنس) و {الكنس}; يقال: (كنست الوحشية في الكناس); إذا غابت فيه بعد طلوع الشمس، فكذلك النجوم، و (الكناس): بيت تتخذه الوحشية من الشجر تختفي فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وغيرهما: أنها الظباء.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن مسعود، والنخعي، وغيرهما: أنها بقر الوحش، والواحدة [على هذا: (خنساء)، قيل لها ذلك; لقصر أنوفها، وقيل]: هو جمع (خانس)، و (كانس).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والليل إذا عسعس أي: أدبر بظلامه، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، [ ص: 42 ] وروي عنهما أيضا وعن الحسن وغيره: أقبل بظلامه.

                                                                                                                                                                                                                                      زيد بن أسلم: عسعس : ذهب.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: العرب تقول: (عسعس الليل)، و (سعسع); إذا لم يبق منه إلا يسير.

                                                                                                                                                                                                                                      الخليل، وغيره: (عسعس الليل); إذا أقبل، أو أدبر.

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد: هو من الأضداد; ومعناه: لم يستكمل ظلمته، وذلك يصلح لأوله وآخره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والصبح إذا تنفس أي: أسفر، وامتد ضوءه، وقيل: أقبل وتبين.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: إذا ارتفع النهار.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في: إنه لقول رسول كريم ، وهو جواب القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذي قوة عند ذي العرش مكين : من جعله جبريل عليه السلام; فقوته ظاهرة، ومن جعله محمدا صلى الله عليه وسلم; فالمعنى: ذي قوة على تبليغ الوحي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {مطاع} أي: تطيعه الملائكة في السماء، على أنه جبريل، أو يطيعه من أطاع الله عز وجل، إذا كان محمدا صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما صاحبكم بمجنون يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد رآه بالأفق المبين أي: الناحية التي تتبين فيها الأشياء; فيرى ما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 43 ] وقوله: وما هو على الغيب بضنين} أي: ببخيل، في من قرأه بالضاد، ومن قرأه بالظاء; فمعناه: بمتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وما هو بقول شيطان رجيم أي: ليس بكهانة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {فأين تذهبون : [أي: فأين تذهبون] عن الحق؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن هو إلا ذكر للعالمين يعني: القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      لمن شاء منكم أن يستقيم} أي: يتبع الحق، وروي: أن أبا جهل- لعنه الله- قال حين نزلت هذه الآية: الأمر إلينا، إن شئنا أن نستقيم، وإن شئنا لم نستقم، فنزلت: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية