الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2230 7 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن الأعمش ، قال : سمعت أبا صالح يقول : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل ، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط ، ورجل أقام سلعته بعد العصر . فقال : والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا ، فصدقه رجل ، ثم قرأ هذه الآية : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل فإنه أحد الثلاثة الذين أخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأن الله لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، ولو لم يأثم مانع ابن السبيل من الماء الفاضل عنه لما استحق هذا الوعيد . وعبد الواحد بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف البصري ، والأعمش هو سليمان ، وأبو صالح ذكوان الزيات السمان . قوله " ثلاثة " أي ثلاثة أشخاص وارتفاعه على أنه مبتدأ ، وقوله " لا ينظر الله إليهم " خبره ، وهذا عبارة عن عدم الإحسان إليهم ، قال الزمخشري : هو كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر مجاز فيما لا يجوز عليه والتنصيص على العدد لا ينافي الزائد ، فالذي ذكره من الوعيد لا ينحصر في هؤلاء الثلاثة ، قوله " ولا يزكيهم " أي يثني عليهم أولا يطهرهم من الذنوب ، قوله " رجل " مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره من الثلاثة رجل ، قوله " كان له فضل ماء " جملة في محل الرفع لأنها صفة لرجل ، قوله " فمنعه " أي فمنع الفاضل من الماء ، قوله " ورجل " أي الثاني من الثلاثة رجل بايع إماما ، المراد هو الإمام الأعظم ، وهذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بايع إمامه ، والمراد من المبايعة هنا هو المعاقدة عليه والمعاهدة فكان كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره ، قوله " إلا لدنيا " أي إلا لأجل شيء يحصل له من متاع الدنيا ، وكلمة دنيا غير منون ، واضمحل منها معنى الوصفية لغلبة الاسمية عليها فلا تحتاج إلى من ونحوه ، والفاء في قوله " فإن أعطاه " تفسيرية تفسر مبايعته للإمام للدنيا ، قوله " أقام " من قامت السوق إذا نفقت ، قوله " سلعته " أي متاعه ، قوله " بعد العصر " هذا ليس بقيد وإنما خرج هذا مخرج [ ص: 200 ] الغالب إذ كانت عادتهم الحلف بمثله ، وذلك لأن الغالب أن مثله كان يقع في آخر النهار حيث أرادوا الانعزال عن السوق والفراغ عن معاملتهم ، وقيل : خصص العصر بالذكر لما فيه من زيادة الجراءة إذ التوحيد هو أساس التنزيهات ، والعصر هو وقت صعود ملائكة النهار ، ولهذا يغلظ في أيمان اللعان به ، وقيل : لأن وقت العصر وقت تعظم فيه المعاصي لارتفاع الملائكة بالأعمال إلى الرب تعالى فيعظم أن يرتفعوا بالمعاصي ويكون آخر عمله هو المرفوع فالخواتم هي المرجوة وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة كل وقت ، قوله " لقد أعطيت " على صيغة المجهول ، وقد أكد يمينه الفاجرة بمؤكدات وهي بتوحيد الله تعالى وباللام ، وكلمة " قد " التي للتحقيق هنا ، قوله " فصدقه رجل " أي المشتري واشتراه بذلك الثمن الذي حلف أنه أعطيه بكذا اعتمادا على حلفه .

                                                                                                                                                                                  ( ومما يستفاد منه ) ما ذكرنا أن صاحب الماء أولى به عند حاجته ، وفي التوضيح : فإذا كان الماء مما يحل منعه منع إلا بالثمن إلا أن لا يكون معهم ، وأما المواشي والسقاة التي لا يحل منع مائها فلا يمنعون فإن منعوا قوتلوا وكان هدرا ، وإن أصيب طالب الماء كانت ديته على صاحب الماء مع العقوبة والسجن ، كذا قاله الداودي ، وقال ابن التين أنها على عاقلته إن مات عطشا وإن أصيب أحد من المسافرين أخذ به جميع مانعي الماء وقتلوا به .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية