الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5883 6237 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا، ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". وذكر سفيان أنه سمعه منه ثلاث مرات. [انظر: 6077 - مسلم: 2560 - فتح: 11 \ 21]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث يزيد -وهو ابن أبي حبيب- عن أبي الخير -وهو مرثد بن عبد الله اليزني- عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" (وقد سلف في الإيمان).

                                                                                                                                                                                                                              وحديث سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب -خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار- أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا، ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". وذكر سفيان أنه سمعه منه ثلاث مرات.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              مراده بقوله: (أي الإسلام خير؟) أي: بعد التوحيد، أو يريد: أي شعب الإسلام خير؟ وفي حديث آخر: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 44 ] بالله ثم الجهاد"، وفي آخر: "ثم الصلاة لمواقيتها". وقد سلف الجمع بين ذلك. وقال ابن التين: لعل هذا قبل أن يفرض الجهاد والصلاة، وأخباره لا تتنافى، فإذا صلى في الوقت في الجهاد كان أفضل; لجمعه بين الأمرين وإن صلاها في غير وقتها فالجهاد أفضل، وهذا لمن ليس له أبوان; لقوله في الحديث الآخر بعد الصلاة: "ثم بر الوالدين"، فمن له أبوان فصلى في الوقت كان أفضل (من الجهاد).

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              هذا أيضا في باب الأدب والتواضع، وفي السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة; ليكون المؤمنون كلهم إخوة; ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك، وقد روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أشراط الساعة السلام للمعرفة".

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يدخل السوق، فما يلقى صغيرا ولا كبيرا إلا سلم عليه، ولقد مر بعبد أعمى فجعل يسلم عليه، والآخر لا يرد عليه، فقيل: إنه أعمى.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 45 ] وكان السلف من المحافظة على بذل السلام، كما ذكر معمر قال: كان الرجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مجتمعين، فتفرق بينهما شجرة، ثم يجتمعان فيسلم أحدهما على الآخر.

                                                                                                                                                                                                                              ومما يدل على تأكيد السلام على كل أحد أن الله تعالى قد أمر الداخل بيتا غير مسكون بالسلام عند دخوله، وروي عن ابن عباس والنخعي وعلقمة وعطاء وعكرمة وقتادة في قوله تعالى: فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم [النور: 61] قالوا: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن الملائكة ترد عليك. وهذا يدل أن الداخل بيتا مسكونا أولى بالسلام.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم أنه - عليه السلام - قال: "إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها، واذكروا اسم الله; فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته، وذكر اسم الله على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم هنا ولا عشاء. وإذا لم يسلم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه، قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 46 ] وفي "المشكل" لأبي جعفر الطحاوي عن مسروق: كنت أنا وعلقمة مع ابن مسعود وهو بيننا، فجاء أعرابي فقال: السلام عليكم يا ابن أم عبد. فضحك عبد الله وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من أشراط الساعة السلام بالمعرفة"، وفي رواية: "ما بين يدي الساعة تسليم الخاصة"، وفي حديث إسلام أبي ذر قال: فانتهيت إليه -يعني: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صلى هو وصاحبه -يعني: الصديق - رضي الله عنه - فكنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: "وعليك ورحمة الله".

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي: وهذا ليس بمعارض للأول، إذ قد يحتمل أن يكون أبو ذر كان مع الصديق ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متشاغل إما بصلاة وإما بطواف; لأن ذلك كان بمكة عند البيت فلم يحتج إلى السلام على أبي بكر، وكانت الحاجة إلى السلام على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; (فقصر سلامه عليه فلم ينل) ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              واختصاصه - عليه السلام - أبا ذر بالرد عليه وحده دون غيره; دليل على أن الرد خلاف السلام; لأن المسلم على الواحد من الجماعة ظالم لبقيتهم; لأنه كان عليه أن يسلم عليهم كلهم، والرد من المسلم عليه عن نفسه وحده أو عن جماعة هو منهم على اختلاف بين أهل العلم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 47 ] في ذلك; إنما هو على من سلم عليه عن نفسه أو عن جماعة منهم، فجاز أن يختص به دون من سواه من الناس.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا غرار في صلاة ولا تسليم"، قال أبو عبيد: الغرار: النقصان، ومعناه في الصلاة أن ينقص من ركوعها وسجودها، وفي السلام أن يقول: السلام عليك، أو يرد بقوله: وعليك، ولا يقول: وعليكم.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو جعفر: وقد يحتمل أن يكون النقصان المنهي عنه في السلام القصد بالسلام إلى الواحد من الجماعة، بخلاف الرد لما ذكرناه، مما يوجب حكم السلام، ورده في الحديث السالف وقد سلف الرد بعليك، ولا نقص إذا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية