الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن (232).

فذكر أصحاب الشافعي أن بلوغ الأجل ها هنا حقيقة الانفصال.

وقوله: فلا تعضلوهن خطاب للأولياء، ونهيهم عن الامتناع من تزويجها.

وذكر أصحاب أبي حنيفة، أن معنى هذه الآية لا يتحقق عندكم، فإن الولي إذا كان هو المزوج والمتصرف فلا يقال: لا تمنعوا فلانا من أن يبيع وأنتم البائعون، فلو لم يكن إلى المرأة النكاح لما صح أن يقول: "فلا تمنعوهن من النكاح أن ينكحن" ، وهو لا يمنعها إنما يمنع نفسه.

وقوله: ينكحن فعل مضاف إليهن، وإذا نهاه عن البيع، وجب [ ص: 185 ] أن لا يكون له حق بما نهى عنه من منع المرأة، فتقدير الكلام: ليس للولي منع المرأة من النكاح، إذا تراضوا بينهم بالمعروف وهو الكفؤ، وإنما نهى الله تعالى عن العضل، إذا تراضوا بينهم بالمعروف.

ومما استشهدوا به أيضا قوله تعالى:

فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ولم يذكر الولي.

والذي ذكره هؤلاء غلط، وذلك أن الله سبحانه إنما قال:

حتى تنكح زوجا غيره .

وقوله: أن ينكحن أزواجهن بناء على العادة الجميلة المندوب إليها في الشرع، وهي تفويضهن النكاح إلى الأولياء، بعد الرضا بالأزواج، واختيارهم لا مباشرة المرأة عقد النكاح دون الأولياء، فإن ذلك خرم للمروءة، وهتك للستر، وفتح لأبواب التهمة، وشناعة في العرف.

وذكر آخرون أن الآية بنظمها، دالة على أن الولي غير مراد بالآية، فإنه قال في أول الآية:

وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن .

وقوله: فلا تعضلوهن خطاب لمن طلق، فمعنى ذلك عضلها عن الأزواج بتطويل العدة عليها.

وغاية ما يرد على هذا: أن ذلك يخرج قوله: فإذا بلغن أجلهن عن البلوغ حقيقة. [ ص: 186 ] والأول يجيب عن هذا، أن حمل البلوغ على مقاربة البلوغ، لا يلحق اللفظ بالمستكره والبعيد في مجاري كلام البلغاء.

أما قول القائل: ( إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ) يا أولياء، فيقطع نظام الكلام، ويضمر ما لم يجر له ذكر بوجه، فهو ركيك من الكلام، مستكره في التأويل.

فقيل لهم: إن الذي قلتموه فهمناه من قوله قبل هذا:

وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا . فكيف يعيد عين ذلك بلفظ هو كناية عن القرب من ذكره باللفظ الصريح من غير فائدة، وهذا بين جدا.

ويدلك على ذلك ما رواه شريك عن سماك، عن ابن أخي معقل ابن يسار، عن معقل، أن أخت معقل كانت تحت رجل فطلقها، ثم أراد أن يراجعها، فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية.

وروي عن الحسن هذه القصة، وأن الآية نزلت فيها، وأن النبي عليه السلام دعا معقلا وأمره بتزويجها إياه.

وهذا الحديث غير ثابت على مذهب أهل النقل، لما في سنده من الرجل المجهول الذي يروي عنه سماك، وحديث الحسن مرسل، ولكنه مشهور، والمرسل عندهم حجة.

والقاضي إسماعيل بن إسحاق يرويه في أحكام القرآن عن الحسن قال: "حدثني معقل بن يسار... الحديث."، ثم يقول: "ثم تركها حتى انقضت عدتها" . ويروى ذلك بأسانيد شتى..

التالي السابق


الخدمات العلمية