الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5888 6242 - حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس بن مالك أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص -أو بمشاقص- فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه. [6889، 6900 - مسلم: 2157 - فتح: 11 \ 24]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث سفيان، قال الزهري: حفظته كما أنك ها هنا، عن سهل بن سعد الساعدي قال: اطلع رجل من جحر في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك به رأسه، فقال: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس - رضي الله عنه - أن رجلا اطلع من بعض حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه بمشقص -أو بمشاقص- فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              الكلام على ذلك من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              (الجحرة): بضم أوله وإسكان ثانيه: الخرق، والمدرى: -بكسر الميم- يشبه المشط، وهي منونة; لأن وزنه مفعل، ليس فعلا، قال ابن فارس: مدرت المرأة إذا سرحت شعرها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 53 ] قلت: ومن أنثه قال: مدراة. وقد جاء في الشعر: مدراة. والجمع: المدارى.

                                                                                                                                                                                                                              والمشقص: -بكسر الميم أيضا- نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإن كان عريضا فهو المعبلة. وعبارة الجوهري: المشقص هو الطويل من النصال العريض. وقال الخطابي: هو نصل عريض. وقيل: هو سهم فيه سن عريض، وقيل: هو الطويل ليس بعريض.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              يختل -بكسر التاء المثناة فوق- أي: يحتال فيراوغه ويستغفله ويطعنه، قال (الجوهري: طعنه بالرمح، وطعن في السن. يطعن بالضم طعنا، قال: وطعن فيه بالقول، يطعن أيضا طعنا وطعنانا، وحكى) ابن فارس عن بعضهم: طعن بالرمح، وطعن بالقول، يطعن بالفتح.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              الحديث دال على هدر المفعول به، وجواز رميه بشيء خفيف، وقيل: إن ذلك على وجه التهديد والتغليظ، ولو وقع الفعل (للضرورة) قد لا تكون تلك العقوبة، (وكذلك) يفعل الأئمة في التغليظ

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 54 ] والإرهاب، وكذا من عض رجلا فندرت سنه يقتص منه عند مالك خلافا، للشافعي وابن نافع، قال يحيى بن عمر: ولعله لم يبلغه الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وهل يجوز الرمي قبل الإندار؟! فيه وجهان: أصحهما: نعم; لظاهر الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث يبين معنى الاستئذان، وأنه إنما جعل خوف النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحل منه، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب وشبهه كما هو متعرض فيه; لوقوع البصر على أجنبية.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الموطأ" عن عطاء بن يسار أن رجلا قال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ قال: "نعم" قال: إني معها في البيت! قال: "استأذن عليها; أتحب أن تراها عريانة؟! " قال: لا. قال: "فاستأذن عليها".

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: لا يدخل الغلام إذا احتلم على أمه وعلى أخته، إلا بإذن.

                                                                                                                                                                                                                              وأصل هذا كله في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الآية [النور: 58] الآية قال أبو عبيد: فأما ذكور المماليك فعليهم الاستئذان في الأحوال كلها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 55 ] خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث يرد قول أهل الظاهر، ويكشف عليهم في إنكارهم العلل والمعاني، وقولهم: إن الحكم للأسماء خاصة; لأنه - عليه السلام - علل الاستئذان أنه إنما جعل من أجل البصر، فدل ذلك على أنه - عليه السلام - أوجب أشياء وحظر أشياء; من أجل معان علق التحريم بها. ومن أبى هذا رد نص السنن، وقد ورد القرآن بمثل هذا كثيرا من قوله تعالى: وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم [الأنبياء: 31]، وقوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، إلى قوله: كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم [الحشر: 7]، وقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة [النساء: 165] وقوله: ذلك جزيناهم بما كفروا [سبأ: 17] في مواضع كثيرة تطول، فلا يلتفت إلى من يخالف ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية