الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

ثبت في " الصحيحين " و " المسانيد " : أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم " ؟ قالوا : نفضحهم ويجلدون ، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة ، فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يا محمد ، إن فيها الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما .

فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان ، وأن الذمي يحصن الذمية ، وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي ، ومن لم يقل بذلك اختلفوا في [ ص: 33 ] وجه هذا الحديث ، فقال مالك في غير " الموطأ " : لم يكن اليهود بأهل ذمة . والذي في " صحيح البخاري " : أنهم أهل ذمة ، ولا شك أن هذا كان بعد العهد الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم ، ولم يكونوا إذ ذاك حربا ، كيف وقد تحاكموا إليه ، ورضوا بحكمه ؟ وفي بعض طرق الحديث : أنهم قالوا : اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف ، وفي بعض طرقه : أنهم دعوه إلى بيت مدراسهم ، فأتاهم وحكم بينهم ، فهم كانوا أهل عهد وصلح بلا شك .

وقالت طائفة أخرى : إنما رجمهما بحكم التوراة . قالوا : وسياق القصة صريح في ذلك ، وهذا مما لا يجدي عليهم شيئا البتة ، فإنه حكم بينهم بالحق المحض ، فيجب اتباعه بكل حال ، فماذا بعد الحق إلا الضلال .

وقالت طائفة : رجمهما سياسة ، وهذا من أقبح الأقوال ، بل رجمهما بحكم الله الذي لا حكم سواه .

وتضمنت هذه الحكومة أن أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا لا نحكم بينهم إلا بحكم الإسلام .

وتضمنت قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض لأن الزانيين لم يقرا ، ولم يشهد عليهما المسلمون ، فإنهم لم يحضروا زناهما ، كيف وفي " السنن " في هذه القصة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاءوا أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة .

[ ص: 34 ] وفي بعض طرق هذا الحديث : فجاء أربعة منهم ، وفي بعضها : فقال لليهود : ائتوني بأربعة منكم .

وتضمنت الاكتفاء بالرجم ، وأن لا يجمع بينه وبين الجلد ، قال ابن عباس : الرجم في كتاب الله لا يغوص عليه إلا غواص ، وهو قوله تعالى : ( ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ) [ المائدة : 15 ] ، واستنبطه غيره من قوله : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) [ المائدة : 44 ] .

قال الزهري في حديثه : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) ، كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية