الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            9772 عن عمر بن عبد الله مولى غفرة ، قال : قدم على أبي بكر مال من البحرين ، فقال : من كان له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة ، فيأت فليأخذ .

                                                                                            قال : فجاء جابر بن عبد الله ، فقال : قد وعدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إذا جاءني من البحرين مال ، أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " . ثلاث مرات ملأ كفيه ، فقال : خذ بيديك . قال : فأخذ بيديه ، فوجد خمسمائة ، قال : عد إليها ، ثم أعطاه مثلها ، ثم قسم بين الناس ما بقي ، فأصاب عشرة الدراهم - يعني : لكل واحد - .

                                                                                            فلما كان العام المقبل جاءه مال أكثر من ذلك ، فقسم بينهم ، فأصاب كل إنسان عشرين درهما ، وفضل من المال فضل ، فقال للناس : أيها الناس ، قد فضل من [ ص: 4 ] هذا المال فضل ، ولكم خدم يعالجون لكم ، ويعملون لكم ، إن شئتم رضخنا لهم ، فرضخ لهم الخمسة دراهم ، فقالوا : يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو فضلت المهاجرين ؟ فقال : أجر أولئك على الله ، إنما هذه معايش ، الأسوة فيه خير من الأثرة .

                                                                                            فلما مات أبو بكر استخلف عمر ، ففتح الله عليه الفتوح ، فجاءه أكثر من ذلك ، فقال : قد كان لأبي بكر في هذا المال رأي ، ولي رأي آخر : لا أجعل من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه ، ففضل المهاجرين والأنصار ، ففرض لمن شهد بدرا منهم خمسة آلاف خمسة آلاف ، ومن كان إسلامه قبل إسلام أهل بدر فرض له أربعة آلاف أربعة آلاف ، وفرض لأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألفا لكل امرأة ، إلا صفية وجويرية ، ففرض لكل واحدة ستة آلاف ، فأبين أن يأخذنها ، فقال : إنما فرضت لهن بالهجرة ، فقلن : ما فرضت لهن بالهجرة ، إنما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولنا مثل مكانهن ، فأبصر ذلك ، فجعلهن سواء .

                                                                                            وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفا ; لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف ، وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف ، فألحقهما بأبيهما ; لقرابتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                            وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف ، فقال : يا أبت ، فرضت لأسامة بن زيد ، وفرضت لي ثلاثة آلاف ، فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك ، وما كان له من الفضل ما لم يكن لي ؟ ! فقال : إن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك ، وهو كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك .

                                                                                            وفرض لأبناء المهاجرين ممن شهد بدرا ألفين ألفين ، فمر به عمر بن أبي سلمة ، فقال : زيدوه ألفا ، أو قال : زده ألفا يا غلام . فقال محمد بن عبد الله : لأي شيء تزيده علينا ؟ ما كان لأبيه من الفضل ما كان لآبائنا ؟ .

                                                                                            قال : فرضت له بأبي سلمة ألفين ، وزدته بأم سلمة ألفا ، فإن كانت لك أم مثل أم سلمة ، زدتك ألفا . وفرض لعثمان بن عبد الله بن عثمان وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله - يعني : عثمان بن عبد الله - ثمانمائة ، وفرض للنضر بن أنس ألفي درهم ، فقال له طلحة : جاءك ابن عثمان مثله ، ففرضت له ثمانمائة ، وجاءك غلام من الأنصار ، ففرضت له في ألفين ؟ فقال : إني لقيت أبا هذا يوم أحد ، فسألني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ما أراه إلا قد قتل . فسل سيفه وسدد [ ص: 5 ] زنده ، وقال : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قتل ، فإن الله حي لا يموت ، فقاتل حتى قتل ، وقال : هذا يرعى الغنم ، تريدون جعلهما سواء ؟ ! .

                                                                                            فعمل عمر عمره بهذا حتى إذا كانت السنة التي حج فيها ، قال ناس من الناس : لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا - يعنون : طلحة بن عبيد الله - قالوا : وكانت بيعة أبي بكر فلتة ، فأراد أن يتكلم في أيام التشريق بمنى ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين ، إن هذا المجلس يغلب عليه غوغاء الناس ، وهم لا يحملون ، فأمهل أو أخر حتى نأتي أرض الهجرة حيث أصحابك ، ودار الإيمان والمهاجرين والأنصار ، فتكلم بكلامك - أو فتتكلم - فيحتمل كلامك .

                                                                                            قال : فأسرع السير حتى قدم المدينة ، فخرج يوم الجمعة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : قد بلغني مقالة قائلكم : لو قد مات عمر ، أو قد مات أمير المؤمنين ، أقمنا فلانا ، فبايعناه ، وكانت إمرة أبي بكر فلتة .

                                                                                            أجل والله ، لقد كانت فلتة ، ومن أين لنا مثل أبي بكر ؟ نمد أعناقنا إليه ، كما نمد أعناقنا إلى أبي بكر ، وإن أبا بكر رأى رأيا ، ورأى أبو بكر أن يقسم بالسوية ، ورأيت أنا أن أفضل ; فإن أعش إلى هذه السنة فسأرجع إلى رأي أبي بكر ، فرأيه خير من رأيي .

                                                                                            إني قد رأيت رؤيا ، وما أرى ذلك إلا قد اقترب أجلي ، رأيت كأن ديكا أحمر نقرني ثلاث نقرات ، فاستعبرت أسماء ، فقالت : يقتلك عبد أعجمي ، فإن أهلك فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبد الله ، وسعد بن مالك ، فإن عشت فسأعهد عهدا لا تهلكوا .

                                                                                            ألا وإن الرجم حق ، قد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ، ولولا أن يقولوا [ ص: 6 ] كتب عمر ما ليس في كتاب الله لكتبته ، ثم قرأ في كتاب الله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم .

                                                                                            نظرت إلى العمة وابنة الأخ ، فما جعلتهما وارثين ولا يرثان ، فإن أعش فسأفتح لكم منه طريقا تعرفونه ، وإن أهلك فالله خليفتي ، وتختارون رأيكم . إني قد دونت الديوان ، ومصرت الأمصار ، وإنما أتخوف عليكم أحد رجلين : رجل يؤول القرآن على غير تأويله ، فقاتل عليه ، ورجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه ، فيقاتل عليه .

                                                                                            تكلم بهذا الكلام يوم الجمعة ومات يوم الأربعاء . قلت : في الصحيح طرف منه . رواه البزار ، وفيه أبو معشر نجيح ضعيف يعتبر بحديثه .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية