الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5900 [ ص: 85 ] 21 - باب: من لم يسلم على من اقترف ذنبا ولم يرد سلامه حتى تتبين توبته، وإلى متى تتبين توبة العاصي؟

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلموا على شربة الخمر.

                                                                                                                                                                                                                              6255 - حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله، أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك: ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ حتى كملت خمسون ليلة، وآذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى الفجر. [انظر: 2757 - مسلم: 2769 - فتح: 11 \ 40]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر فيه حديث كعب حين تخلف عن تبوك ونهيه عن كلامهم.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ حتى كملت خمسون ليلة، وآذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى الفجر.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              (شربة) بفتح الشين والراء، كأنه جمع شارب مثل آكل وأكلة، ولم يجمعه اللغويون كذلك، وإنما جمعوه شارب وشرب، مثل صاحب وصحب، وجمع الشرب: شروب.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وإلى متى تتبين توبة العاصي) ليس في ذلك حد محدود، ولكن معناه أنه لا تتبين توبته من ساعته ولا يومه حتى يمر عليه ما يدل على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن وهب، عن يزيد بن أبي حبيب قال: لو مررت على قوم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 86 ] يلعبون بالشطرنج ما سلمت عليهم.

                                                                                                                                                                                                                              وكان سعيد بن جبير إذا مر على أصحاب لم يسلم عليهم.

                                                                                                                                                                                                                              ورخص مالك في السلام على من لم يدمن اللعب بها، وإنما يلعب بها المرة بعد المرة.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: ليس ما كان من أمر كعب وصاحبيه حدا لذلك; لأنه لم يوقت لهم ذلك في أول الأمر، وإنما وقف عنه حتى شاء الله، وقد انتظر الوحي فليس يعرف توبة أحد أنها قبلت.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (كملت) هو مثلث الميم، قال في "الصحاح": والكسر أردؤها.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه، فينبغي ألا يسلم عليه ولا يرد - عليه السلام -، كما ذكره البخاري وغيره من العلماء محتجين بقصة كعب، فإن اضطر إلى السلام على الظلمة سلم عليهم، وينوي أن السلام اسم من أسمائه تعالى، المعنى: الله عليكم رقيب.

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: ترك الكلام على العصاة -بمعنى التأديب لهم- سنة ماضية، لحديث كعب بن مالك وصاحبيه -الثلاثة الذين خلفوا- وبذلك قال كثير من أهل العلم في أهل البدع: لا يسلم عليهم أدبا لهم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 87 ] وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: لا تسلموا على مدمني الخمر، ولا على (المسيء) بأبويه، ذكره الطبري، وكذلك كان في قطع الكلام عن كعب وصاحبيه حين تخلفوا وإظهار الموجدة عليهم أبلغ في الأدب لهم، فالإعراض أدب بالغ; ألا ترى قوله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع [النساء: 34].




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية