الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : المراد من إحباط العمل ليس هو إبطال نفس العمل ; لأن العمل شيء كلما وجد فني وزال ، وإعدام المعدوم محال ، ثم اختلف المتكلمون فيه ، فقال المثبتون للإحباط والتكفير : المراد منه أن عقاب الردة الحادثة يزيل ثواب الإيمان السابق ، إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم وجمهور المتأخرين من المعتزلة أو لا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي علي ، وقال المنكرون للإحباط بهذا المعنى : المراد من الإحباط الوارد في كتاب الله هو أن المرتد إذا أتى بالردة فتلك الردة عمل محبط ; لأن الآتي بالردة كان يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحق به ثوابا ، فإذا لم يأت بذلك العمل الجيد وأتى بدله بهذا العمل الرديء الذي لا يستفيد منه نفعا ، بل يستفيد منه أعظم المضار ، يقال : إنه أحبط عمله أي أتى بعمل باطل ليس فيه فائدة ، بل فيه مضرة ، ثم قال المنكرون للإحباط : هذا الذي ذكرناه في تفسير الإحباط ، إما أن يكون حقيقة في لفظ الإحباط ، وإما أن لا يكون ، فإن كان حقيقة فيه وجب المصير إليه ، وإن كان مجازا وجب المصير إليه ; لأنا ذكرنا الدلائل القاطعة في مسألة أن الموافاة شرط في صحة الإيمان ، على أن القول بأن أثر الفعل الحادث يزيل أثر الفعل السابق محال .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أما حبوط الأعمال في الدنيا ، فهو أنه يقتل عند الظفر به ويقاتل إلى أن يظفر به ، ولا يستحق من المؤمنين موالاة ولا نصرا ولا ثناء حسنا ، وتبين زوجته منه ولا يستحق الميراث من المسلمين ، ويجوز أن يكون المعنى في قوله : ( حبطت أعمالهم في الدنيا ) أن ما يريدونه بعد الردة من الإضرار بالمسلمين ومكايدتهم بالانتقال عن دينهم يبطل كله ، فلا يحصلون منه على شيء لإعزاز الله الإسلام بأنصاره ، فتكون الأعمال على هذا التأويل ما يعملونه بعد الردة ، وأما حبوط أعمالهم في الآخرة فعند القائلين بالإحباط معناه أن هذه الردة تبطل استحقاقهم للثواب الذي استحقوه بأعمالهم السالفة ، وعند المنكرين لذلك معناه : أنهم لا يستفيدون من تلك الردة ثوابا ونفعا في الآخرة ، بل يستفيدون منها أعظم المضار ، ثم بين كيفية تلك المضرة فقال تعالى : ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية