الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم

                                                                                                                                                                                                                                      السائلون في قوله : يسألونك عن الخمر هم المؤمنون كما سيأتي بيانه عند ذكر سبب نزول الآية ، والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر ، ومنه خمار المرأة ، وكل شيء غطى شيئا فقد خمره ، ومنه خمروا آنيتكم وسمي خمرا لأنه يخمر العقل : أي يغطيه ويستره ، ومن ذلك الشجر الملتف يقال له : الخمر بفتح الميم ، لأنه يغطي ما تحته ويستره ، يقال منه أخمرت الأرض : كثر خمرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      ألا يا زيد والضحاك سيرا فقد جاوزتما خمر الطريق

                                                                                                                                                                                                                                      أي جاوزتما الوهد ، وقيل : إنما سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى أدركت ، كما يقال قد اختمر العجين : أي بلغ إدراكه ، وخمر الرأي : أي ترك حتى تبين فيه الوجه ، وقيل : إنما سميت الخمر خمرا لأنها تخالط العقل من المخامرة وهي المخالطة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه المعاني الثلاثة متقاربة موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت ثم خالطت العقل فخمرته : أي سترته ، والخمر : ماء العنب الذي غلا واشتد وقذف بالزبد ، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه كما ذهب إليه الجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن عكرمة وجماعة من فقهاء الكوفة : ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال : أي ما دون المسكر فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب أبو حنيفة إلى حل ما ذهب ثلثاه بالطبخ ، والخلاف في ذلك مشهور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أطلت الكلام على الخمر في شرحي للمنتقى فليرجع إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      والميسر : مأخوذ من اليسر ، وهو وجوب الشيء لصاحبه ، يقال يسر لي كذا : إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا ، والياسر اللاعب بالقداح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد يسر ييسر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فأعنهم وايسر كما يسروا به     وإذا هم نزلوا بضنك فانزل

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأزهري : الميسر الجزور التي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسرا ، لأنه يجزأ أجزاء ، فكأنه موضع التجزئة ، [ ص: 142 ] وكل شيء جزأته فقد يسرته ، والياسر : الجازر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وهذا الأصل في الياسر ، ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور : ياسرون ، لأنهم جازرون ، إذ كانوا سببا لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال في الصحاح : ويسر القوم الجزور : إذا اجتزروها واقتسموا أعضاءها ، ثم قال : ويقال يسر القوم ; إذا قامروا ، ورجل ميسر وياسر بمعنى ، والجمع أيسار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال النابغة :


                                                                                                                                                                                                                                      إني أتمم أيساري وأمنحهم     مشي الأيادي وأكسوا الحفنة الأدما

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بالميسر في الآية قمار العرب بالأزلام .

                                                                                                                                                                                                                                      قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم : كل شيء فيه قمار من نرد أو شطرنج أو غيرهما فهو الميسر ، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مالك : الميسر ميسران : ميسر اللهو ، وميسر القمار ، فمن ميسر اللهو : النرد والشطرنج والملاهي كلها ، وميسر القمار : ما يتخاطر الناس عليه ، وكل ما قومر به فهو ميسر ، وسيأتي البحث مطولا في هذا في سورة المائدة عند قوله : إنما الخمر والميسر [ المائدة : 90 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : قل فيهما إثم كبير يعني الخمر والميسر ، فإثم الخمر : أي إثم تعاطيها ، ينشأ من فساد عقل مستعملها فيصدر عنه ما يصدر عن فاسد العقل من المخاصمة والمشاتمة ، وقول الفحش والزور ، وتعطيل الصلوات ، وسائر ما يجب عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما إثم الميسر : أي إثم تعاطيه ، فما ينشأ عن ذلك من فقر وذهاب المال في غير طائل ، والعداوة وإيجاش الصدور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما منافع الخمر فربح التجارة فيها ، وقيل : ما يصدر عنها من الطرب والنشاط وقوة القلب وثبات الجنان وإصلاح المعدة وقوة الباءة وقد أشار شعراء العرب إلى شيء من ذلك قال :


                                                                                                                                                                                                                                      وإذا شربت فإنني     رب الخورنق والسدير
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا صحوت فإنني     رب الشويهة والبعير

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      ونشربها فتتركنا ملوكا     وأسدا ما ينهنهنا اللقاء

                                                                                                                                                                                                                                      وقال من أشار إلى ما فيها من المفاسد والمصالح :


                                                                                                                                                                                                                                      رأيت الخمر صالحة وفيها     خصال تفسد الرجل الحليما
                                                                                                                                                                                                                                      فلا والله أشربها صحيحا     ولا أشفي بها أبدا سقيما
                                                                                                                                                                                                                                      ولا أعطي بها ثمنا حياتي     ولا أدعو لها أبدا نديما

                                                                                                                                                                                                                                      ومنافع الميسر : مصير الشيء إلى الإنسان بغير تعب ولا كد ، وما يحصل من السرور والأريحية عند أن يصير له منها سهم صالح .

                                                                                                                                                                                                                                      وسهام الميسر أحد عشر ، منها سبعة لها فروض على عدد ما فيها من الحظوظ .

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : الفذ بفتح الفاء بعدها معجمة ، وفيه علامة واحدة وله نصيب وعليه نصيب .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : التوأم بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وفتح الهمزة ، وفيه علامتان ، وله وعليه نصيبان .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : الرقيب ، وفيه ثلاث علامات ، وله وعليه ثلاثة أنصباء .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : الحلس بمهملتين ، الأولى مكسورة واللام ساكنة ، وفيه أربع علامات ، وله وعليه أربعة أنصباء .

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس : النافر بالنون والفاء والمهملة ، ويقال : النافس بالسين المهملة مكان الراء ، وفيه خمس علامات ، وله وعليه خمسة أنصباء .

                                                                                                                                                                                                                                      السادس : المسبل بضم الميم وسكون المهملة وفتح الباء الموحدة وفيه ست علامات ، وله وعليه ستة أنصباء .

                                                                                                                                                                                                                                      السابع : المعلى بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة وفيه سبع علامات ، وله وعليه سبعة أنصباء وهو أكثر السهام حظا ، وأعلاها قدرا ، فجملة ذلك ثمانية وعشرون فردا .

                                                                                                                                                                                                                                      والجزور تجعل ثمانية وعشرين جزءا ، هكذا قال الأصمعي ، وبقي من السهام أربعة أغفالا لا فروض لها ، وهي : المنيح بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء التحتية وبعدها مهملة ، والسفيح بفتح المهملة وكسر الفاء وسكون الياء التحتية بعدها مهملة ، والوفد بفتح الواو وسكون المعجمة بعدها مهملة ، والضعف بالمعجمة بعدها مهملة ثم فاء ، وإنما أدخلوا هذه الأربعة التي لا فروض لها بين ذوات الفروض لتكثر السهام على الذي يجيلها ويضرب بها فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان المجيل للسهام يلتحف بثوب ويحثو على ركبتيه ويخرج رأسه من الثوب ، ثم يدخل يده في الربابة بكسر المهملة وبعدها باء موحدة وبعد الألف باء موحدة أيضا ، وهي الخريطة التي يجعل فيها السهام ، فيخرج منها باسم كل رجل سهما ، فمن خرج له سهم له فرض أخذ فرضه ، ومن خرج له سهم لا فرض له لم يأخذ شيئا وغرم قيمة الجزور ، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال ابن عطية : إن الأصمعي أخطأ في قوله : إن الجزور تقسم على ثمانية وعشرين جزءا ، وقال : إنما تقسم على عشرة أجزاء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإثمهما أكبر من نفعهما أخبر سبحانه بأن الخمر والميسر وإن كان فيهما نفع فالإثم الذي يلحق متعاطيهما أكثر من هذا النفع ، لأنه لا خير يساوي فساد العقل الحاصل بالخمر ، فإنه ينشأ عنه من الشرور ما لا يأتي عليه الحصر ، وكذلك لا خير في الميسر يساوي ما فيها من المخاطرة بالمال والتعرض للفقر ، واستجلاب العداوات المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حمزة والكسائي " كثير " بالمثلثة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الباقون بالباء الموحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي : " وإثمهما أقرب من نفعهما " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " قل العفو " قرأه الجمهور بالنصب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمرو وحده بالرفع .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف فيه عن ابن كثير ، وبالرفع قرأه الحسن وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال النحاس : إن جعلت " ذا " بمعنى الذي ، كان الاختيار الرفع على معنى : الذي ينفقون هو العفو ، وإن جعلت ما وذا شيئا واحدا كان الاختيار النصب على معنى : قل ينفقون العفو ، والعفو : ما سهل وتيسر ولم يشق على القلب ، والمعنى : أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تجهدوا فيه أنفسكم ، وقيل : هو ما فضل عن نفقة العيال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال جمهور العلماء : هو نفقات التطوع ، وقيل : إن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة المفروضة ، وقيل : هي محكمة ، وفي المال حق سوى الزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كذلك يبين الله لكم الآيات أي في أمر النفقة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : في الدنيا والآخرة متعلق بقوله : تتفكرون أي تتفكرون في أمرهما ، فتحبسون من [ ص: 143 ] أموالكم ما تصلحون به معايش دنياكم ، وتنفقون الباقي في الوجوه المقربة إلى الآخرة ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفي الآخرة وبقائها ، فترغبون عن العاجلة إلى الآجلة ، وقيل : يجوز أن يكون إشارة إلى قوله : وإثمهما أكبر من نفعهما أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة ، وليس هذا بجيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ويسألونك عن اليتامى هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم [ الأنعام : 152 ، الإسراء : 34 ] وقوله : إن الذين يأكلون أموال اليتامى [ النساء : 10 ] وقد كان ضاق على الأولياء الأمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بالإصلاح هنا مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم ، فإن ذلك أصلح من مجانبتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء والأوصياء بالبيع والمضاربة والإجارة ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وإن تخالطوهم فإخوانكم اختلف في تفسير المخالطة لهم ، فقال أبو عبيدة : مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدا من خلطه بعياله ، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله ، وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان ، فدلت هذه الآية على الرخصة ، وهي ناسخة لما قبلها ، وقيل : المراد بالمخالطة المعاشرة للأيتام ، وقيل : المراد بها المصاهرة لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل تشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فإخوانكم خبر لمبتدأ محذوف : أي فهم إخوانكم في الدين .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : والله يعلم المفسد من المصلح تحذير للأولياء : أي لا يخفى على الله من ذلك شيء فهو يجازي كل أحد بعمله من أصلح فلنفسه ، ومن أفسد فعلى نفسه ، وقوله : لأعنتكم أي ولو شاء لجعل ذلك شاقا عليكم ومتعبا لكم وأوقعكم فيما فيه الحرج والمشقة ، وقيل : العنت هنا معناه الهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      قاله أبو عبيدة ، وأصل العنت المشقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الأنباري : أصل العنت التشديد ثم نقل إلى معنى الهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : عزيز أي لا يمتنع عليه شيء ، لأنه غالب لا يغالب حكيم يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته وحكمته ، وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب المال والعقل ، فنزلت يسألونك عن الخمر والميسر يعني هذه الآية ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت في سورة النساء ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [ النساء : 43 ] فكان ينادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة " أن لا يقربن الصلاة سكران " ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ فهل أنتم منتهون [ المائدة : 91 ] قال عمر : انتهينا انتهينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : كنا نشرب الخمر فأنزلت يسألونك عن الخمر والميسر الآية ، فقلنا نشرب منها ما ينفعنا ، فنزلت في المائدة إنما الخمر والميسر الآية [ المائدة : 90 ] فقالوا : اللهم انتهينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : الميسر القمار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس مثله قال : كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله ، فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل فيهما إثم كبير يعني : ما ينقص من الدين عند شربها ومنافع للناس يقول : فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوا وإثمهما أكبر من نفعهما يقول : ما يذهب من الدين فالإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها ، فأنزل الله بعد ذلكلا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [ النساء : 43 ] الآية ، فكانوا لا يشربونها عند الصلاة ، فإذا صلوا العشاء شربوها ، ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا ، وتكلموا بما لم يرض الله من القول فأنزل الله إنما الخمر والميسر والأنصاب [ المائدة : 90 ] الآية فحرم الخمر ونهى عنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : منافعهما قبل التحريم ، وإثمهما بعد ما حرمهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عنه أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا ، فما ننفق منها ؟ فأنزل الله : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به ، ولا ما يأكل حتى يتصدق عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : العفو هو ما لا يتبين في أموالكم ، وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال : العفو ما يفضل عن أهلك ، وفي لفظ قال : الفضل عن العيال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عنه في قوله : قل العفو قال : لم تفرض فيه فريضة معلومة ثم قال : خذ العفو وأمر بالعرف [ الأعراف : 199 ] ثم نزلت في الفرائض بعد ذلك مسماة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول .

                                                                                                                                                                                                                                      وثبت نحوه في الصحيح مرفوعا من حديث حكيم بن حزام .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الباب أحاديث كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال : يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه قال : لما أنزل الله ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ الإسراء : 34 ] إن الذين يأكلون أموال اليتامى [ النساء : 10 ] الآية ، انطلق من كان عنده يتيم يعزل طعامه عن طعامه ، وشرابه عن شرابه ، فجعل يفصل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمي به فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله : ويسألونك عن اليتامى الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي نحو ذلك عن جماعة من التابعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : وإن تخالطوهم قال : المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ، ويأكل من قصعتك وتأكل من قصعته ، ويأكل من ثمرتك وتأكل من ثمرته والله يعلم المفسد من المصلح قال : يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ، ومن يتحرج منه ولا يألو عن إصلاحه ولو شاء الله لأعنتكم يقول : لو شاء ما أحل لكم ما أعنتكم مما لا تتعمدون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : لأعنتكم يقول : لأحرجكم وضيق عليكم ، ولكنه وسع ويسر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : ولو شاء الله لأعنتكم قال : ولو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية