الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في حقيقة الميسر فنقول : الميسر القمار ، مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما ، يقال : يسرته إذا قمرته ، واختلفوا في اشتقاقه على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال مقاتل : اشتقاقه من اليسر ؛ لأنه أخذ لمال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب ، كانوا يقولون : يسروا لنا ثمن الجزور ، أو من اليسار ؛ لأنه سبب يساره ، وعن ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال ابن قتيبة : الميسر من التجزئة والاقتسام ، يقال : يسروا الشيء ، أي : اقتسموه ، فالجزور نفسه يسمى ميسرا ؛ لأنه يجزأ أجزاء ، فكأنه موضع التجزئة ، والياسر الجازر ; لأنه يجزئ لحم الجزور ، ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور : إنهم ياسرون ; لأنهم بسبب ذلك الفعل يجزءون لحم الجزور .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : قال الواحدي : إنه من قولهم : يسر لي هذا الشيء ييسر يسرا وميسرا إذا وجب ، والياسر الواجب بسبب القداح ، هذا هو الكلام في اشتقاق هذه اللفظة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما صفة الميسر فقال صاحب "الكشاف" : كانت لهم عشرة قداح ، وهي الأزلام والأقلام : الفذ ، والتوءم ، والرقيب ، والحلس ، بفتح الحاء وكسر اللام ، وقيل : بكسر الحاء وسكون اللام ، والمسبل ، والمعلى ، والنافس ، والمنيح ، والسفيح ، والوغد ، لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزءونها عشرة أجزاء ، وقيل : ثمانية وعشرين جزءا إلا ثلاثة ، وهي : المنيح والسفيح ، والوغد ، ولبعضهم في هذا المعنى شعر :

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 40 ]

                                                                                                                                                                                                                                            لي في الدنيا سهام ليس فيهن ربيح     وأساميهن وغد
                                                                                                                                                                                                                                            وسفيح ومنيح



                                                                                                                                                                                                                                            فللفذ سهم ، وللتوءم سهمان ، وللرقيب ثلاثة ، وللحلس أربعة ، وللنافس خمسة ، وللمسبل ستة ، وللمعلى سبعة ، يجعلونها في الربابة ، وهي الخريطة ويضعونها على يد عدل ، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ، ومن خرج له قدح لا نصيب له لم يأخذ شيئا ، وغرم ثمن الجزور كله ، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ، ولا يأكلون منها ، ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية