الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5539 ( 3 ) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي السواد عن ابن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول عثمان بن طلحة المفتاح من وراء الثوب [ ص: 531 ]

                                                                                ( 4 ) حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال : لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة ، وكانت خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية ؛ وكانت بنو بكر حلفاء قريش ، فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في صلح قريش ، فكان بين خزاعة وبين بني بكر قتال ، فأمدتهم قريش بسلاح وطعام ، وظللوا عليهم ، فظهرت بنو بكر على خزاعة ، وقتلوا منهم ، فخافت قريش أن يكونوا نقضوا فقالوا لأبي سفيان : اذهب إلى محمد فأجر الحلف وأصلح بين الناس ، فانطلق أبو سفيان حتى قدم المدينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد جاءكم أبو سفيان ، وسيرجع راضيا بغير حاجته ، فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، أجر الحلف وأصلح بين الناس ، أو قال : بين قومك ، قال : ليس الأمر إلي ؛ الأمر إلى الله وإلى رسوله ، قال : وقد قال له فيما قال : ليس من قوم ظللوا على قوم وأمدوهم بسلاح وطعام أن يكونوا نقضوا ، فقال أبو بكر : الأمر إلى الله وإلى رسوله ، ثم أتى عمر بن الخطاب فقال له نحوا مما قال لأبي بكر ، قال : فقال له عمر : أنقضتم فما كان منه جديدا فأبلاه الله ، وما كان منه شديدا أو متينا فقطعه الله ، فقال أبو سفيان : ما رأيت كاليوم شاهد عشيرة ، ثم أتى فاطمة فقال : يا فاطمة ، هل لك في أمر تسودين فيه نساء قومك ، ثم ذكر لها نحوا مما ذكر لأبي بكر فقالت : ليس الأمر إلي ، الأمر إلى الله وإلى رسوله ، ثم أتى عليا فقال له نحوا مما قال لأبي بكر ، فقال له علي : ما رأيت كاليوم رجلا أضل ، أنت سيد الناس ، فأجر الحلف وأصلح بين الناس ، قال : فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال : قد أجرت الناس بعضهم من بعض ، ثم ذهب حتى قدم على مكة فأخبرهم بما صنع ، فقالوا : والله ما رأينا كاليوم وافد قوم ، والله ما أتيتنا بحرب فنحذر ، ولا أتيتنا بصلح فنأمن ، ارجع ، قال : وقدم وافد خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع القوم ودعا إلى النصرة ، وأنشده في ذلك شعرا :

                                                                                لاهم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا     ووالدا كنت وكنا ولدا
                                                                                إن قريشا أخلفوك الموعدا     ونقضوا ميثاقك المؤكدا
                                                                                وجعلوا لي بكداء مرصدا     وزعمت أن لست أدعو أحدا
                                                                                فهم أذل وأقل عددا     وهم أتونا بالوتير هجدا
                                                                                نتلو القرآن ركعا وسجدا     ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا
                                                                                فانصر رسول الله نصرا أعتدا     وابعث جنود الله تأتي مددا
                                                                                في فيلق كالبحر يأتي مزبدا

                                                                                [ ص: 532 ]

                                                                                فيهم رسول الله قد تجردا     إن سيم خسفا وجهه تربدا

                                                                                قال حماد : هذا الشعر بعضه عن أيوب ، وبعضه عن يزيد بن حازم وأكثره عن محمد بن إسحاق ، ثم رجع إلى حديث أيوب عن عكرمة قال : قال حسان بن ثابت :

                                                                                أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة     رحال بني كعب تحز رقابها
                                                                                وصفوان عود حز من ودق استه     فذاك أوان الحرب شد عصابها
                                                                                فلا تجزعن يا ابن أم مجالد     فقد صرحت صرفا وعصل نابها
                                                                                فياليت شعري هل ينالن مرة      سهيل بن عمرو حوبها وعقابها

                                                                                قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل فارتحلوا ، فساروا حتى نزلوا مرا ، قال ؛ وجاء أبو سفيان حتى نزل مرا ليلا ، قال : فرأى العسكر والنيران فقال : من هؤلاء ؟ فقيل : هذه تميم محلت بلادها وانتجعت بلادكم ، قال : والله لهؤلاء أكثر من أهل منى ، فلما علم أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال : دلوني على العباس ، فأتى العباس فأخبره الخبر ، وذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، فقال له : يا أبا سفيان ، أسلم تسلم ، فقال : كيف أصنع باللات والعزى ؟ قال أيوب : فحدثني أبو الخيل عن سعيد بن جبير ، قال : قال له عمر بن الخطاب وهو خارج من القبة في عنقه السيف : إخر عليها أما والله أن لو كنت خارجا من القبة ما قلتها أبدا ، قال : قال أبو سفيان : من هذا ؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، ثم رجع إلى حديث أيوب عن عكرمة ، فأسلم أبو سفيان وذهب به العباس إلى منزله ، فلما أصبحوا ثار الناس لطهورهم ، قال : فقال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، ما للناس أمروا بشيء ؟ قال : لا ، ولكنهم قاموا إلى الصلاة ، قال : فأمره العباس فتوضأ ثم ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر ، فكبر الناس ثم ركع فركعوا ثم رفع فرفعوا ، فقال أبو سفيان : ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من هاهنا وهاهنا ، ولا فارس ولا الروم وذات القرون بأطوع منهم له ، قال حماد : وزعم يزيد بن حازم عن عكرمة أن أبا سفيان قال : يا أبا الفضل أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك ، قال : فقال له العباس : إنه ليس بملك ولكنها النبوة ، قال : أو ذاك ؟ أو ذاك ؟ ثم رجع إلى حديث أيوب عن عكرمة قال : قال أبو سفيان : واصباح قريش ، قال : فقال العباس : يا رسول الله ، لو أذنت لي فأتيتهم فدعوتهم فأمنتهم ، وجعلت لأبي سفيان شيئا يذكر به ، فانطلق العباس فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء ، وانطلق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ردوا علي أبي ، ردوا علي أبي ، فإن عم الرجل صنو أبيه ، إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود ، [ ص: 533 ] دعاهم إلى الله فقتلوه ، أما والله لئن ركبوها منه لأضرمنها عليهم نارا ، فانطلق العباس حتى قدم مكة ، فقال : يا أهل مكة ، أسلموا تسلموا ، قد استبطنتم بأشهب باذل ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الزبير من قبل أعلى مكة ، وبعث خالد بن الوليد من قبل أسفل مكة ، فقال لهم العباس : هذا الزبير من قبل أعلى مكة ، وهذا خالد من قبل أسفل مكة ، وخالد ما خالد ؟ وخزاعة المجدعة الأنوف ثم قال : من ألقى سلاحه فهو آمن ، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتراموا بشيء من النبل ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر عليهم فأمن الناس إلا خزاعة من بني بكر ، فذكر أربعة : مقيس بن صبابة ، وعبد الله بن أبي سرح ، وابن خطل ، وسارة مولاة بني هاشم ، قال حماد : سارة في حديث أيوب ، وفي حديث غيره : قال : فقتلهم خزاعة إلى نصف النهار ؛ وأنزل الله ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم قال خزاعة : ويتوب الله على من يشاء


                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية