الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 786 ] واعلم أن الترجيح قد يكون باعتبار الإسناد ، وقد يكون باعتبار المتن ، وقد يكون باعتبار المدلول ، وقد يكون باعتبار أمر خارج ، فهذه أربعة أنواع .

                        والنوع الخامس : الترجيح بين الأقيسة .

                        والنوع السادس : الترجيح بين الحدود السمعية .

                        ( النوع الأول ) : الترجيح باعتبار الإسناد وله صور :

                        ( الصورة الأولى ) : الترجيح بكثرة الرواة ، فيرجع ما رواته أكثر على رواته أقل ؛ لقوة الظن به ، وإليه ذهب الجمهور .

                        وذهب الشافعي في القديم إلى أنهما سواء ، وشبهه بالشهادات ، وبه قال الكرخي .

                        قال إمام الحرمين : إن لم يمكن الرجوع إلى دليل آخر قطع باتباع الأكثر ، فإنه أولى من الإلغاء ؛ لأنا نعلم أن الصحابة لو تعارض لهم خبران هذه صفتهما لم يعطلوا الواقعة ، بل كانوا يقدمون هذا .

                        قال : وأما إذا كان في المسألة قياس ، وخبران متعارضان ، كثرت رواة أحدهما ، فالمسألة ظنية ، والاعتماد على ما يؤدي إليه اجتهاد الناظر .

                        وفي المسألة قول رابع صار إليه القاضي ، والغزالي ، وهو أن الاعتماد على ما غلب ظن المجتهد ، فرب عدل أقوى في النفس من عدلين ؛ لشدة يقظته وضبطه انتهى .

                        وهذا صحيح ، لكن المفروض في الترجيح بالكثرة ، وهو كون الأكثر من الرواة مثل الأقل في وصف العدالة ونحوها .

                        قال ابن دقيق العيد : وهو مرجح من أقوى المرجحات ، فإن الظن يتأكد عند ترادف الروايات ؛ ولهذا يقوى الظن إلى أن يصير العلم به متواترا . انتهى .

                        أما لو تعارضت الكثرة من جانب ، والعدالة من الجانب الآخر ، ففيه قولان :

                        ( أحدهما ) : ترجيح الكثرة .

                        [ ص: 787 ] ( وثانيهما ) ترجيح العدالة ، فإنه رب عدل يعدل ألف رجل في الثقة ، كما قيل : إن شعبة بن الحجاج كان يعدل مائتين وقد كان الصحابة يقدمون رواية الصديق على رواية غيره .

                        ( النوع الثاني ) : أنه يرجح ما كانت الوسائط فيه قليلة ، وذلك بأن يكون إسناده عاليا ؛ لأن الخطأ والغلط فيما كانت وسائطه أقل ، دون ما كانت وسائطه أكثر .

                        ( النوع الثالث ) : أنها ترجح رواية الكبير على رواية الصغير ؛ لأنه أقرب إلى الضبط ، إلا أن يعلم أن الصغير مثله في الضبط ، أو أكثر ضبطا منه .

                        ( النوع الرابع ) : أنها ترجح رواية من كان فقيها على من لم يكن كذلك ؛ لأنه أعرف بمدلولات الألفاظ .

                        ( النوع الخامس ) : أنها ترجح رواية من كان عالما باللغة العربية ؛ لأنه أعرف بالمعنى ممن لم يكن كذلك .

                        ( النوع السادس ) : أن يكون أحدهما أوثق من الآخر .

                        ( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما أحفظ من الآخر .

                        ( النوع الثامن ) : أن يكون أحدهما من الخلفاء الأربعة دون الآخر .

                        ( النوع التاسع ) : أن يكون أحدهما متبعا والآخر مبتدعا .

                        ( النوع العاشر ) : أن يكون أحدهما صاحب الواقعة ؛ لأنه أعرف بالقصة .

                        ( النوع الحادي عشر ) : أن يكون أحدهما مباشرا لما رواه دون الآخر .

                        ( النوع الثاني عشر ) : أن يكون أحدهما كثير المخالطة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون الآخر ؛ لأن المخالطة تقتضي زيادة في الاطلاع .

                        ( النوع الثالث عشر ) : أن يكون أحدهما أكثر ملازمة للمحدثين من الآخر .

                        ( النوع الرابع عشر ) : أن يكون أحدهما قد طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون الآخر .

                        ( النوع الخامس عشر ) : أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالتزكية ، والآخر بمجرد الظاهر .

                        [ ص: 788 ] ( النوع السادس عشر ) أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالممارسة والاختبار ، والآخر بمجرد التزكية ، فإنه ليس الخبر كالمعاينة .

                        ( النوع السابع عشر ) : أن يكون أحدهما قد وقع الحكم بعدالته دون الآخر .

                        ( النوع الثامن عشر ) : أن يكون أحدهما قد عدل مع ذكر أسباب التعديل ، والآخر عدل بدونها .

                        ( النوع التاسع عشر ) : أن يكون المزكون لأحدهما أكثر من المزكين للآخر .

                        ( النوع العشرون ) : أن يكون المزكون لأحدهما أكثر بحثا عن أحوال الناس من المزكين للآخر .

                        ( النوع الحادي والعشرون ) : أن يكون المزكون لأحدهما أعلم من المزكين للآخر ؛ لأن مزيد العلم له مدخل في الإصابة .

                        ( النوع الثاني والعشرون ) : أن يكون أحدهما قد حفظ اللفظ ، فهو أرجح ممن روى المعنى ، أو اعتمد على الكتابة ، وقيل : إن رواية من اعتمد على الكتابة أرجح من رواية من اعتمد على الحفظ .

                        ( النوع الثالث والعشرون ) : أن يكون أحدهما أسرع حفظا من الآخر ، وأبطأ نسيانا منه ، فإنه أرجح ، أما لو كان أحدهما أسرع حفظا ، وأسرع نسيانا ، والآخر أبطأ حفظا ، وأبطأ نسيانا ، فالظاهر أن الآخر أرجح من الأول ؛ لأنه يوثق بما حفظه ورواه وثوقا زائدا على ما رواه الأول .

                        ( النوع الرابع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من يوافق الحفاظ على رواية من يتفرد عنهم في كثير من رواياته .

                        ( النوع الخامس والعشرون ) : أنها ترجح رواية من دام حفظه وعقله ، ولم يختلط على من اختلط في آخر عمره ، ولم يعرف هل روى الخبر حال سلامته أو حال اختلاطه .

                        ( النوع السادس والعشرون ) : أنها ترجح رواية من كان أشهر بالعدالة والثقة من الآخر ؛ لأن ذلك يمنعه من الكذب .

                        ( النوع السابع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من كان مشهور النسب على من لم [ ص: 789 ] يكن مشهورا ؛ لأن احتراز المشهور عن الكذب أكثر .

                        ( النوع الثامن والعشرون ) : أن يكون أحدهما معروف الاسم ، ولم يلتبس اسمه باسم أحد من الضعفاء على من يلتبس اسمه باسم ضعيف .

                        ( النوع التاسع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من ( تحمل بعد البلوغ على رواية من تحمل قبل البلوغ .

                        ( النوع الثلاثون ) : أنها ترجح رواية من ) تأخر إسلامه على من تقدم إسلامه ؛ لاحتمال أن يكون ما رواه من تقدم إسلامه منسوخا ، هكذا قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وابن برهان ، والبيضاوي ، وقال الآمدي بعكس ذلك .

                        ( النوع الحادي والثلاثون ) : أنها ترجح رواية الذكر على الأنثى ؛ لأن الذكور أقوى فهما ، وأثبت حفظا ، وقيل : لا تقدم .

                        ( النوع الثاني والثلاثون ) : أنها تقدم رواية الحر على العبد ؛ لأن تحرزه عن الكذب أكثر وقيل : لا تقدم .

                        ( النوع الثالث والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من ذكر سبب الحديث على من لم يذكر سببه .

                        ( النوع الرابع والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من لم يختلف الرواة عليه على من اختلفوا عليه .

                        ( النوع الخامس والثلاثون ) : أن يكون أحدهما أحسن استيفاء للحديث من الآخر ، فإنها ترجح روايته .

                        ( النوع السادس والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من سمع شفاها على من سمع من وراء حجاب .

                        ( النوع السابع والثلاثون ) : أن يكون أحد الخبرين بلفظ " حدثنا " أو أخبرنا فإنه أرجح من لفظ " أنبأنا " ونحوه ، قيل : ويرجح لفظ " حدثنا " على لفظ " أخبرنا " .

                        ( النوع الثامن والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من سمع من لفظ الشيخ على رواية من [ ص: 790 ] سمع بالقراءة عليه .

                        ( النوع التاسع والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من روى بالسماع على رواية من روى بالإجازة .

                        ( النوع الأربعون ) : أنها تقدم رواية من روى المسند على رواية من روى المرسل .

                        ( النوع الحادي والأربعون ) : أنها تقدم الأحاديث التي في الصحيحين على الأحاديث الخارجة عنهما .

                        ( النوع الثاني والأربعون ) : أنها تقدم رواية من لم ينكر عليه على رواية من أنكر عليه .

                        ( واعلم ) : أن وجوه الترجيح كثيرة ، وحاصلها أن ما كان أكثر إفادة للظن فهو راجح ، فإن وقع التعارض في بعض هذه المرجحات ، فعلى المجتهد أن يرجح بين ما تعارض منها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية